التعليم في زمن المعرفة
الكاتب : عبد الرحمن القرعاني | القسم : تربية ومجتمع

ممّا أجمع عليه الباحثون , على اختلاف مشاربهم وتنوع مصادرهم , من أسباب النهضة المجتمعية ورقي الأمم هو التعليم , وإن أكتب فقد كتب غيري كثير, ممن هو أعلم مني وأعلى شأنا وأكثر تجربة في سبل إذكاء البحث العلمي , وإصلاح التعليم , غير أن اللافت للنظر هو بعدهم عن طرق باب التعلم الحر والمستمر أو طرْقِه على استحياء مع أنني وبحكم قربي من عهد الدراسة الصفية , أزعم أننا بحاجة إليه وإلى تشريع طرقه وتسهيل دروبه أكثر من حاجتنا إلى إصلاح التعليم الصفي أو أقول قول المحايد : أن حاجتنا إليه مساوية لحاجتنا إلى إصلاح التعليم الصفي .فما أكثرَ الأسف حين ترى سريان شيخوخة الثقافة بين الأجيال الشابة القريبة العهد بمقاعد الدراسة بحكم البعد عن التعلم المستمر وبناء الثقافة الشخصية بناءً محْكما ! .غياب بناء الثقافة الفردية مؤذن بنكسة علمية – في حال أن كنا تقدمنا فيه شيئا يسيرا – في زمن لا يرحم الضعف العلمي والثقافي ولا مكان فيه للضعفاء , خاصة وأن المعلومة قد أصبحت أقرب من أي وقت مضى وتساوى الناس في حق التعليم الذاتي بانتشاره , إلا أن غياب الإرادة الجماعية لاستغلال هذه المعطيات أدى إلى انصراف طاقات كثير من جيلنا نحن الشباب في ملاحقة الثقافة المستعجلة التي تزودك بأحاديث المجالس ووقود التجمعات وهي مستجدات الساحة , فأصبح أغلبنا ناقلا للمعلومة لا محللا مستفيدا دارسا , لا ألغي أهمية هذا القسم الملح العاجل , إلا أنه حين يكون صارفا عن ادخار المهم غير العاجل من العلم والثقافة , حينها تكون الخيبة الكبرى . ليس بالضرورة حين الدعوة إلى إشاعة التعليم الحر والمستمر أن أدعوَ إلى جعل التعلم الصفي الأكاديمي في آخر سلم الأولويات , بل الجمع بينهما والتوازن أريد , ولا أكون متشائما حين أقول : ليت لنا من صرف الطاقة والجهد إلى التعليم الأكاديمي إتقان التخصصات !فالمتأمل في حياة العلم في عقول وسلوك الشباب , الجامعيين منهم على وجه التحديد يجد أنها حياة صورية لا حقيقية وثقافة شكلية .أبعد من ذلك حين تجد من يدعو إلى التقليل من عدد الدارسين والمتعلمين بحجةٍ ظاهرها عدم توفر فرص الدراسة الجامعية أو قلة عدد الوظائف المتاحة لخريجي الجامعات , وباطنها الاستئثار بالمكانة والصدارة بتجهيل الشعب واستغلال غفلته لأمور لا تخفى !.في دولة من دول العالم الثالث – وإن شئت قلت الرابع – كان عدد الناجحين في اختبار الشهادة الثانوية نسبةً إلى المختبرين لا يتجاوز 10 % في العام الماضي , واعتذروا بحجج أوهى من بيت العنكبوت سبق بيانها ..في هذا السياق يذكر المفكر الأستاذ أحمد أمين في كتابه الرائع الماتع ( حياتي ) أنه لما سافر إلى العراق عي عام 1931 م دعاه الملك فيصل ملك العراق حينذاك ووجه إليه السؤال التالي :هل من مصلحة بلد كالعراق أن يُكثِر من التعليم العالي, ولو أدى ذلك إلى كثرة العاطلين من المتعلمين , أو أن يُقتصر فيه على قدر ما تحتاجه من الموظفين ؟فأجاب إجابة سديدة وأدلى برأي رشيد إذ قال : مصلحة الأمة في كثرة المتعلمين تعليماً عاليا , وأن التعليم العالي كله خير وبركة مهما كانت النتائج .يبقى أن أقول أن هذا التساؤل ليس مستغرباً من الملك فيصل قبل أكثر من ثمانين عاما , ولكن غاية العجب ومنتهى الغرابة أن تكون سياسات بعض الدول لا زالت تمنع شعوبها من حقها المقرر في التعليم في زمن شاعت فيه المعرفة وارتفع سقفها !
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1d5hG51
via موقع الاسلام
الكاتب : عبد الرحمن القرعاني | القسم : تربية ومجتمع
ممّا أجمع عليه الباحثون , على اختلاف مشاربهم وتنوع مصادرهم , من أسباب النهضة المجتمعية ورقي الأمم هو التعليم , وإن أكتب فقد كتب غيري كثير, ممن هو أعلم مني وأعلى شأنا وأكثر تجربة في سبل إذكاء البحث العلمي , وإصلاح التعليم , غير أن اللافت للنظر هو بعدهم عن طرق باب التعلم الحر والمستمر أو طرْقِه على استحياء مع أنني وبحكم قربي من عهد الدراسة الصفية , أزعم أننا بحاجة إليه وإلى تشريع طرقه وتسهيل دروبه أكثر من حاجتنا إلى إصلاح التعليم الصفي أو أقول قول المحايد : أن حاجتنا إليه مساوية لحاجتنا إلى إصلاح التعليم الصفي .فما أكثرَ الأسف حين ترى سريان شيخوخة الثقافة بين الأجيال الشابة القريبة العهد بمقاعد الدراسة بحكم البعد عن التعلم المستمر وبناء الثقافة الشخصية بناءً محْكما ! .غياب بناء الثقافة الفردية مؤذن بنكسة علمية – في حال أن كنا تقدمنا فيه شيئا يسيرا – في زمن لا يرحم الضعف العلمي والثقافي ولا مكان فيه للضعفاء , خاصة وأن المعلومة قد أصبحت أقرب من أي وقت مضى وتساوى الناس في حق التعليم الذاتي بانتشاره , إلا أن غياب الإرادة الجماعية لاستغلال هذه المعطيات أدى إلى انصراف طاقات كثير من جيلنا نحن الشباب في ملاحقة الثقافة المستعجلة التي تزودك بأحاديث المجالس ووقود التجمعات وهي مستجدات الساحة , فأصبح أغلبنا ناقلا للمعلومة لا محللا مستفيدا دارسا , لا ألغي أهمية هذا القسم الملح العاجل , إلا أنه حين يكون صارفا عن ادخار المهم غير العاجل من العلم والثقافة , حينها تكون الخيبة الكبرى . ليس بالضرورة حين الدعوة إلى إشاعة التعليم الحر والمستمر أن أدعوَ إلى جعل التعلم الصفي الأكاديمي في آخر سلم الأولويات , بل الجمع بينهما والتوازن أريد , ولا أكون متشائما حين أقول : ليت لنا من صرف الطاقة والجهد إلى التعليم الأكاديمي إتقان التخصصات !فالمتأمل في حياة العلم في عقول وسلوك الشباب , الجامعيين منهم على وجه التحديد يجد أنها حياة صورية لا حقيقية وثقافة شكلية .أبعد من ذلك حين تجد من يدعو إلى التقليل من عدد الدارسين والمتعلمين بحجةٍ ظاهرها عدم توفر فرص الدراسة الجامعية أو قلة عدد الوظائف المتاحة لخريجي الجامعات , وباطنها الاستئثار بالمكانة والصدارة بتجهيل الشعب واستغلال غفلته لأمور لا تخفى !.في دولة من دول العالم الثالث – وإن شئت قلت الرابع – كان عدد الناجحين في اختبار الشهادة الثانوية نسبةً إلى المختبرين لا يتجاوز 10 % في العام الماضي , واعتذروا بحجج أوهى من بيت العنكبوت سبق بيانها ..في هذا السياق يذكر المفكر الأستاذ أحمد أمين في كتابه الرائع الماتع ( حياتي ) أنه لما سافر إلى العراق عي عام 1931 م دعاه الملك فيصل ملك العراق حينذاك ووجه إليه السؤال التالي :هل من مصلحة بلد كالعراق أن يُكثِر من التعليم العالي, ولو أدى ذلك إلى كثرة العاطلين من المتعلمين , أو أن يُقتصر فيه على قدر ما تحتاجه من الموظفين ؟فأجاب إجابة سديدة وأدلى برأي رشيد إذ قال : مصلحة الأمة في كثرة المتعلمين تعليماً عاليا , وأن التعليم العالي كله خير وبركة مهما كانت النتائج .يبقى أن أقول أن هذا التساؤل ليس مستغرباً من الملك فيصل قبل أكثر من ثمانين عاما , ولكن غاية العجب ومنتهى الغرابة أن تكون سياسات بعض الدول لا زالت تمنع شعوبها من حقها المقرر في التعليم في زمن شاعت فيه المعرفة وارتفع سقفها !
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة,التعليم في زمن المعرفة
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1d5hG51
via موقع الاسلام

0 التعليقات:
إرسال تعليق