الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4)
الكاتب : خالد بن صالح الزهراني | القسم : تربية ومجتمع

هذا الاتجاه هو مزيج من الاتجاه المادي والاتجاه المثالي حيث حاول أن يجمع بين الاتجاهيين في نظريته للمعرفة .أنصار هذا الاتجاه يقولون نحن ندرك العالم الخارجي بقوانا الحسية (قوى الظاهر) لا على طريقة المطابقة وإنما على طريقة التعديل . فالصورة الحاصلة في أذهاننا هي صورة معدلة عن العالم الخارجي من حولنا . إنهم يرون أن القوى العقلية (الذهنية) هي التي قامت بذلك التعديل ويحتجون بأن الجهاز البصري لدى كل الكائنات يبصر الأشياء من حوله ولكن هذه الكائنات تعدل صورة هذه الأشياء في أذهانها بتدخل القوى الذهنية أو العقلية لها .أصحاب هذا الاتجاه يرون أن هناك شروطاً خارجية وأخرى داخلية لإدراك الأشياء من حولنا فمثلاً لإدراك خضرة الأخضر يرون أن هناك شرطاً خارجياً مستقلاً عنا لا يساوي اللون الأخضر لكنه مكوِّن من مكونات اللون الأخضر وبالإضافة إلا ذلك يرون أن هناك شرطاً داخلياً يتعلق بقوانا الإدراكية ومع تفاعل الشرط الداخلي مع الشرط الخارجي ندرك خضرة الأخضر . إن هذه المدرسة تعترف بوجود الأشياء في الخارج لكن لا يمكن إدراك هذه الأشياء إلا بتكامل الشروط الداخلية والخارجية لذلك الإدراك. ويضربون لذلك مثلاً مشهوراً فلو وقعت شجرة في غابة ليس فيها إنسان هل يكون لها صوت ؟ لو قلت نعم فقد أخطأت ولو قلت لا فقد اخطأت . والجواب هو أن نقول عرِّف لنا الصوت لأنه ليس في الخارج شيء اسمه الصوت لكن شرط وجود الصوت الخارجي موجود ويحتاج إلى تصوره ذهنياً لندرك بذلك ماهو هذا الصوت. إنهم يعتقدون أن الإدراك أو المعرفة ليست صورة مطابقة للواقع ولكنها معدلة[1]. رافع لواء هذه المدرسة ومؤسسها هو الفيلسوف الألماني ايمانويل كنت (1724– 1804) صاحب كتاب نقد العقل المحض وكتاب نقد العقل العملي. إن العقل المحض عند كنت هو الحكم السابق على التجربة وليس الحكم المستمد من التجربة وحين يتحدث عن النقد فإنه يقصد التمييز بين هذين الحكمين أي ما بين ما هو قبلي عن التجربة وماهو مستمد من التجربة وأن الأحكام العقلية السابقة ( القبلية ) هي ضرورة لفهم كل تجربة إذ بدونها لا قيمة لأي تجربة . آرثر شوبنهور (1788–1860) صاحب كتاب (العالم إرادته تمثلاً) ذكر أن ميزة وفضل كانت أنه ميز بين الشيء في ذاته وبين الشيء في ادراكنا . لقد اعتقد كنْت أن الأشياء لها وجود خارجي حقيقي . ففي مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (نقد العقل المحض) ذكر أن في هذه الطبعة إضافة وحيدة وهي الرد على المثالية المادية المسرفة المتمثلة في الفيلسوف ( بيركلي) وصرح كنْت بأن الأشياء الخارجية موجودة ومستقلة عن ذواتنا ولكننا لا ندركها إلا على النحو الذي ندركها عليه أما كيف هي قبل إدراكنا لها فغير معروف إنه يعتقد أن كل ما سوى الله مركب بطريقة معينة لادراك الأشياء بطريقة محددة وأن كيفية الشيء في ذاته غير معلومة قبل ادراكه[2].إن نظرية كنْت عن المعرفة تتلخص في تقسيم المعارف أو الاحكام العقلية إلى ثلاث فئات : 1) الرياضيات : والأحكام العقلية فيها كلها أحكام تركيبية أولية سابقة على التجربة وأنها لا تحتمل الخطأ أو التناقض . 2) الطبيعيات : أي المعارف البشرية عن العالم الموضوعي الذي يدخل في نطاق التجربة . ويستبعد كنْت المادة عن هذا النطاق لأن الذهن لا يدرك من الطبيعة إلا ظواهرها فهو يتفق مع باركلي على أن المادة ليست موضوعاً للإدراك والتجربة لكنه يختلف عنه من ناحية أخرى فهو لا يعتبر ذلك دليلا على عدم وجود المادة ومبرراً لنفيها فلسفيا كما زعم باركلي. وإذا استبعدت المادة فتبقى الأحكام إذن أحكاماً تركيبية ثانوية لا تكون إلا بعد التجربة وهي في الحقيقة تكون بين عنصرين أحدهما تجريبي والآخر عقلي. (الأحكام التركيبية إما أن تكون ثانوية - لاتكون إلا بعد التجربة - وهي تخضع للتجربة مثل ضوء الشمس يسخن الحجر وإما تكون أولية لا تخضع للتجربة). أما الجانب التجريبي من تلك الاحكام العقلية فهو الاحساسات المستوردة بالتجربة من الخارج بعد صب الحس الصوري لها في قالبي الزمان والمكان ، وأما الجانب العقلي فهو الرابطة الفطرية التي يصبغها العقل عن المدركات الحسية ليتكون من ذلك علم ومعرفة عقلية . فالمعرفة اذا مزيجٌ من الذاتية والموضوعية فهي ذاتية في صورتها وموضوعية في مادتها. مثاله : قولنا أن الفلزات تتمدد بالحرارة. فالمواد الخام هنا هي ظاهرة التمدد في الفلزات من ناحية وظاهرة الحرارة من ناحية أخرى (وتمدد الفلزات بسبب الحرارة جاءت عن طريق التجربة). فالناحية الصورية في المعرفة هنا مردها إلى مقولة العلية التي هي من مقولات العقل الفطرية أو السببية (سببية إحدى الظاهرتين للأخرى) فلو لم نكن نملك هذه الصورة القبلية لما تكونت معرفة . فالمعرفة توجد بتكييف العقل للموضوعات التجريبية بإطاراته الخاصة أي مقولاته الفطرية لا أن العقل هو الذي يتكيف بإطاراته وقوالبه للموضوعات المدركة . وهكذا يتضح الانقلاب الفكري الذي أحدثه كنْت في مسألة الفكر الإنساني إذ جعل الأشياء تدور حول الفكر وتتبلور طبقاً لاطارته وقوالبه الخاصة بدلاً عما يعتقده الناس من أن الفكر يدور حول الأشياء ويتكيف تبعاً لها . 3) الميتافيزيقيا : يرى كنْت استحالة التوصل فيها إلى معرفة عن طريق العقل الفطري وذلك أنه لا يصح في هذه القضايا شيء من الأحكام التركيبية الأولية أو الثانوية أما الأولى فهي لما كانت أحكاماً مستقلة عن التجربة فلا تصح إلا على موضوعات مخلوقة للنفس بصورة فطرية وجاهزة في الذهن بلا تجربة فإن الميتافيزيقيا لا تعالج أمورا ذهنية وانما تحاول البحث عن أشياء موضوعية قائمة في نفسها وهي الله والنفس والعالم . أما الاحكام التركيبية الثانوية فهي تخضع للتجربة وقضايا الميتافيزيقيا لا تخضع لذلك فلا يبقى لها إلا الأحكام التحليلية كالشرح والتفسير وهذه المعرفة ليست من المعرفة الحقيقية بشيء كما ذكر سابقا . يرى كنْت أن السبيل لاثبات وجود الله وقضايا الغيب إنما يكون بالفعل الأخلاقي الاجتماعي و أن العقل المحض ما هو إلا تابع لمسلمات العقل الأخلاقي ذلك أن العقل المحض مخلوق ومركب لادراك معطيات الحس لا لادراك الأشياء في ذاتها وأن هذه هي حدوده وليس له أن يدرك أبعد من ذلك كالغيبيات مثلا لأنها ليست حسية والعقل إنما يعمل مع مدخلات التجربة والحس. إن النقطة الرئيسية في نظرية كنْت هي أن الإدراكات العقلية الأولية ليست علوماً قائمة بنفسها ذات وجود مستقل عن التجربة بل هي روابط تساعد على تنظيم الأشياء ووصلها بعضها ببعض فهي تحتاج إلى موضوع ينشئه الذهن أو يدركه بالتجربة وقضايا الميتافيزيقيا ليست من هذا ولا ذاك. لقد انطوت نظرية كنْت على خطأ أساسي ذلك أنها اعتبرت قوالب العقل واطاراته قوانين متأصله فيه لا تعدو أن تكون مجرد روابط ينضم العقل بها ادراكاته الحسية وليس لدينا ادراكات بما يخص قضايا الميتافيزيقيا لتنتظم بتلك الروابط لقد ارجع كنْت قانون العلية إلى مجرد رابطة بين الظواهر المحسوسة في الوقت الذي اعترف بواقع موضوعي للعالم المحسوس . وهنا يقال ماهي المبررات الفلسفية للاعتقاد بواقع موضوعي للعالم المحسوس ما دمنا لا نملك معرفة فطرية كاملة كمبدأ العلية لنبرهن بها على ذلك الواقع ؟ فلا يتصور إلا أن يكون هناك معارف أولية والتي منها مبدأ العلية يمكن أن تنتج للفكر البشري علوما جديدة ويمكن أيضاً أن ندرس قضايا الميتافيزيقيا على ضوء تلك العلوم الضرورية[3]. إذن كنْت اشترط المقدمات العقلية والمعطيات الحسية في الاستدلال العقلي وجعل خاصية الحواس نقل المعطيات الحسية دون الحكم عليها وجعل خاصية العقل التصور والحكم الكلي الضروري على تلك المعطيات لكنه حصر الاستدلال العقلي في المدركات الحسية دون الغيبيات . وزعم أنه بهذه الرؤى أنقذ العلم المادي وأنقذ الدين إلا أن بعض رجال الدين في ألمانيا كانوا معارضين لفكرته حتى أنهم كانوا يطلقون اسمه على كلابهم لأن معنى كلام كنْت أن الدين وقضاياه والإيمان بها لا يمكن أن تدرك بالعقل فكوني أؤمن ذلك لأنني لم أفهم . إلا أن مما يذكر ويروى عن كنْت أنه لما جاءته الوفاة كان يبتسم ويقول كان كله طيباً بل وجد له بعض المخطوطات تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وبعضها بقول الله تعالى "فبأي حديث بعده يؤمنون" والله أعلم بذلك[4] .هذه كانت أبرز ملامح الاتجاه المثالي النقدي ممثلةً في مؤسسه ورافع لوائه الفيلسوف الألماني كنْت . [1] سلسلة دروس نظرية المعرفة ، الدكتور عدنان ابراهيم.[2] سلسلة دروس نظرية المعرفة للدكتور عدنان ابراهيم.[3] فلسفتنا ، محمد باقر الصدر.[4] سلسلة دروس نظرية المعرفة للدكتور عدنان ابراهيم.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4)
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1jdcGiD
via موقع الاسلام
الكاتب : خالد بن صالح الزهراني | القسم : تربية ومجتمع
هذا الاتجاه هو مزيج من الاتجاه المادي والاتجاه المثالي حيث حاول أن يجمع بين الاتجاهيين في نظريته للمعرفة .أنصار هذا الاتجاه يقولون نحن ندرك العالم الخارجي بقوانا الحسية (قوى الظاهر) لا على طريقة المطابقة وإنما على طريقة التعديل . فالصورة الحاصلة في أذهاننا هي صورة معدلة عن العالم الخارجي من حولنا . إنهم يرون أن القوى العقلية (الذهنية) هي التي قامت بذلك التعديل ويحتجون بأن الجهاز البصري لدى كل الكائنات يبصر الأشياء من حوله ولكن هذه الكائنات تعدل صورة هذه الأشياء في أذهانها بتدخل القوى الذهنية أو العقلية لها .أصحاب هذا الاتجاه يرون أن هناك شروطاً خارجية وأخرى داخلية لإدراك الأشياء من حولنا فمثلاً لإدراك خضرة الأخضر يرون أن هناك شرطاً خارجياً مستقلاً عنا لا يساوي اللون الأخضر لكنه مكوِّن من مكونات اللون الأخضر وبالإضافة إلا ذلك يرون أن هناك شرطاً داخلياً يتعلق بقوانا الإدراكية ومع تفاعل الشرط الداخلي مع الشرط الخارجي ندرك خضرة الأخضر . إن هذه المدرسة تعترف بوجود الأشياء في الخارج لكن لا يمكن إدراك هذه الأشياء إلا بتكامل الشروط الداخلية والخارجية لذلك الإدراك. ويضربون لذلك مثلاً مشهوراً فلو وقعت شجرة في غابة ليس فيها إنسان هل يكون لها صوت ؟ لو قلت نعم فقد أخطأت ولو قلت لا فقد اخطأت . والجواب هو أن نقول عرِّف لنا الصوت لأنه ليس في الخارج شيء اسمه الصوت لكن شرط وجود الصوت الخارجي موجود ويحتاج إلى تصوره ذهنياً لندرك بذلك ماهو هذا الصوت. إنهم يعتقدون أن الإدراك أو المعرفة ليست صورة مطابقة للواقع ولكنها معدلة[1]. رافع لواء هذه المدرسة ومؤسسها هو الفيلسوف الألماني ايمانويل كنت (1724– 1804) صاحب كتاب نقد العقل المحض وكتاب نقد العقل العملي. إن العقل المحض عند كنت هو الحكم السابق على التجربة وليس الحكم المستمد من التجربة وحين يتحدث عن النقد فإنه يقصد التمييز بين هذين الحكمين أي ما بين ما هو قبلي عن التجربة وماهو مستمد من التجربة وأن الأحكام العقلية السابقة ( القبلية ) هي ضرورة لفهم كل تجربة إذ بدونها لا قيمة لأي تجربة . آرثر شوبنهور (1788–1860) صاحب كتاب (العالم إرادته تمثلاً) ذكر أن ميزة وفضل كانت أنه ميز بين الشيء في ذاته وبين الشيء في ادراكنا . لقد اعتقد كنْت أن الأشياء لها وجود خارجي حقيقي . ففي مقدمة الطبعة الثانية من كتابه (نقد العقل المحض) ذكر أن في هذه الطبعة إضافة وحيدة وهي الرد على المثالية المادية المسرفة المتمثلة في الفيلسوف ( بيركلي) وصرح كنْت بأن الأشياء الخارجية موجودة ومستقلة عن ذواتنا ولكننا لا ندركها إلا على النحو الذي ندركها عليه أما كيف هي قبل إدراكنا لها فغير معروف إنه يعتقد أن كل ما سوى الله مركب بطريقة معينة لادراك الأشياء بطريقة محددة وأن كيفية الشيء في ذاته غير معلومة قبل ادراكه[2].إن نظرية كنْت عن المعرفة تتلخص في تقسيم المعارف أو الاحكام العقلية إلى ثلاث فئات : 1) الرياضيات : والأحكام العقلية فيها كلها أحكام تركيبية أولية سابقة على التجربة وأنها لا تحتمل الخطأ أو التناقض . 2) الطبيعيات : أي المعارف البشرية عن العالم الموضوعي الذي يدخل في نطاق التجربة . ويستبعد كنْت المادة عن هذا النطاق لأن الذهن لا يدرك من الطبيعة إلا ظواهرها فهو يتفق مع باركلي على أن المادة ليست موضوعاً للإدراك والتجربة لكنه يختلف عنه من ناحية أخرى فهو لا يعتبر ذلك دليلا على عدم وجود المادة ومبرراً لنفيها فلسفيا كما زعم باركلي. وإذا استبعدت المادة فتبقى الأحكام إذن أحكاماً تركيبية ثانوية لا تكون إلا بعد التجربة وهي في الحقيقة تكون بين عنصرين أحدهما تجريبي والآخر عقلي. (الأحكام التركيبية إما أن تكون ثانوية - لاتكون إلا بعد التجربة - وهي تخضع للتجربة مثل ضوء الشمس يسخن الحجر وإما تكون أولية لا تخضع للتجربة). أما الجانب التجريبي من تلك الاحكام العقلية فهو الاحساسات المستوردة بالتجربة من الخارج بعد صب الحس الصوري لها في قالبي الزمان والمكان ، وأما الجانب العقلي فهو الرابطة الفطرية التي يصبغها العقل عن المدركات الحسية ليتكون من ذلك علم ومعرفة عقلية . فالمعرفة اذا مزيجٌ من الذاتية والموضوعية فهي ذاتية في صورتها وموضوعية في مادتها. مثاله : قولنا أن الفلزات تتمدد بالحرارة. فالمواد الخام هنا هي ظاهرة التمدد في الفلزات من ناحية وظاهرة الحرارة من ناحية أخرى (وتمدد الفلزات بسبب الحرارة جاءت عن طريق التجربة). فالناحية الصورية في المعرفة هنا مردها إلى مقولة العلية التي هي من مقولات العقل الفطرية أو السببية (سببية إحدى الظاهرتين للأخرى) فلو لم نكن نملك هذه الصورة القبلية لما تكونت معرفة . فالمعرفة توجد بتكييف العقل للموضوعات التجريبية بإطاراته الخاصة أي مقولاته الفطرية لا أن العقل هو الذي يتكيف بإطاراته وقوالبه للموضوعات المدركة . وهكذا يتضح الانقلاب الفكري الذي أحدثه كنْت في مسألة الفكر الإنساني إذ جعل الأشياء تدور حول الفكر وتتبلور طبقاً لاطارته وقوالبه الخاصة بدلاً عما يعتقده الناس من أن الفكر يدور حول الأشياء ويتكيف تبعاً لها . 3) الميتافيزيقيا : يرى كنْت استحالة التوصل فيها إلى معرفة عن طريق العقل الفطري وذلك أنه لا يصح في هذه القضايا شيء من الأحكام التركيبية الأولية أو الثانوية أما الأولى فهي لما كانت أحكاماً مستقلة عن التجربة فلا تصح إلا على موضوعات مخلوقة للنفس بصورة فطرية وجاهزة في الذهن بلا تجربة فإن الميتافيزيقيا لا تعالج أمورا ذهنية وانما تحاول البحث عن أشياء موضوعية قائمة في نفسها وهي الله والنفس والعالم . أما الاحكام التركيبية الثانوية فهي تخضع للتجربة وقضايا الميتافيزيقيا لا تخضع لذلك فلا يبقى لها إلا الأحكام التحليلية كالشرح والتفسير وهذه المعرفة ليست من المعرفة الحقيقية بشيء كما ذكر سابقا . يرى كنْت أن السبيل لاثبات وجود الله وقضايا الغيب إنما يكون بالفعل الأخلاقي الاجتماعي و أن العقل المحض ما هو إلا تابع لمسلمات العقل الأخلاقي ذلك أن العقل المحض مخلوق ومركب لادراك معطيات الحس لا لادراك الأشياء في ذاتها وأن هذه هي حدوده وليس له أن يدرك أبعد من ذلك كالغيبيات مثلا لأنها ليست حسية والعقل إنما يعمل مع مدخلات التجربة والحس. إن النقطة الرئيسية في نظرية كنْت هي أن الإدراكات العقلية الأولية ليست علوماً قائمة بنفسها ذات وجود مستقل عن التجربة بل هي روابط تساعد على تنظيم الأشياء ووصلها بعضها ببعض فهي تحتاج إلى موضوع ينشئه الذهن أو يدركه بالتجربة وقضايا الميتافيزيقيا ليست من هذا ولا ذاك. لقد انطوت نظرية كنْت على خطأ أساسي ذلك أنها اعتبرت قوالب العقل واطاراته قوانين متأصله فيه لا تعدو أن تكون مجرد روابط ينضم العقل بها ادراكاته الحسية وليس لدينا ادراكات بما يخص قضايا الميتافيزيقيا لتنتظم بتلك الروابط لقد ارجع كنْت قانون العلية إلى مجرد رابطة بين الظواهر المحسوسة في الوقت الذي اعترف بواقع موضوعي للعالم المحسوس . وهنا يقال ماهي المبررات الفلسفية للاعتقاد بواقع موضوعي للعالم المحسوس ما دمنا لا نملك معرفة فطرية كاملة كمبدأ العلية لنبرهن بها على ذلك الواقع ؟ فلا يتصور إلا أن يكون هناك معارف أولية والتي منها مبدأ العلية يمكن أن تنتج للفكر البشري علوما جديدة ويمكن أيضاً أن ندرس قضايا الميتافيزيقيا على ضوء تلك العلوم الضرورية[3]. إذن كنْت اشترط المقدمات العقلية والمعطيات الحسية في الاستدلال العقلي وجعل خاصية الحواس نقل المعطيات الحسية دون الحكم عليها وجعل خاصية العقل التصور والحكم الكلي الضروري على تلك المعطيات لكنه حصر الاستدلال العقلي في المدركات الحسية دون الغيبيات . وزعم أنه بهذه الرؤى أنقذ العلم المادي وأنقذ الدين إلا أن بعض رجال الدين في ألمانيا كانوا معارضين لفكرته حتى أنهم كانوا يطلقون اسمه على كلابهم لأن معنى كلام كنْت أن الدين وقضاياه والإيمان بها لا يمكن أن تدرك بالعقل فكوني أؤمن ذلك لأنني لم أفهم . إلا أن مما يذكر ويروى عن كنْت أنه لما جاءته الوفاة كان يبتسم ويقول كان كله طيباً بل وجد له بعض المخطوطات تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم وبعضها بقول الله تعالى "فبأي حديث بعده يؤمنون" والله أعلم بذلك[4] .هذه كانت أبرز ملامح الاتجاه المثالي النقدي ممثلةً في مؤسسه ورافع لوائه الفيلسوف الألماني كنْت . [1] سلسلة دروس نظرية المعرفة ، الدكتور عدنان ابراهيم.[2] سلسلة دروس نظرية المعرفة للدكتور عدنان ابراهيم.[3] فلسفتنا ، محمد باقر الصدر.[4] سلسلة دروس نظرية المعرفة للدكتور عدنان ابراهيم.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4),الأساس الفلسفي للبحوث العلمية والاجتماعية "نظرية المعرفة" (12-4)
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1jdcGiD
via موقع الاسلام

0 التعليقات:
إرسال تعليق