باب في الرجم
4413 حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي حدثني علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا وذكر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما فنسح ذلك بآية الجلد فقال الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت حدثنا موسى يعني ابن مسعود عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال السبيل الحد قال سفيان فآذوهما البكران فأمسكوهن في البيوت الثيبات
الحاشية رقم: 1
[ ص: 71 ] قال ابن بطال أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختارا فعليه الرجم ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة واعتلوا بأن الرجم لم يذكر في القرآن ، وحكاه ابن العربي عن طائفة من أهل المغرب لقيهم وهم من بقايا الخوارج واحتج الجمهور بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم وكذلك الأئمة بعده كذا في الفتح .
{ واللاتي يأتين الفاحشة } : أي الزنا { من نسائكم } : هن المسلمات { فاستشهدوا عليهن أربعة } : خطاب للأزواج أو للحكام { منكم } : أي رجالكم المسلمين { فإن شهدوا } : يعني الشهود بالزنا { فأمسكوهن في البيوت } : أي احبسوهن فيها وامنعوهن من مخالطة الناس لأن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز إلى الرجال ، فإذا حبست في البيت لم تقدر على الزنا . قال في فتح البيان عن ابن عباس قال " كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيت فإن ماتت ماتت وإن عاشت عاشت حتى نزلت الآية في سورة النور الزانية والزاني فاجلدوا فجعل الله لهن سبيلا فمن عمل شيئا جلد وأرسل " وقد روي عنه من وجوه انتهى { حتى يتوفاهن الموت } : أي ملائكته { أو } : إلى أن { يجعل الله لهن سبيلا } : طريقا إلى الخروج منها . قال السيوطي : أمروا بذلك أول الإسلام ثم جعل لهن سبيلا بجلد البكر مائة وتغريبها عاما ورجم المحصنة . وفي الحديث لما بين الحد : قال خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا رواه مسلم انتهى . ويأتي هذا الحديث بتمامه في هذا الباب . وقال الخازن : اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة ثم اختلفوا في ناسخها فذهب بعضهم إلى أن ناسخها هو حديث عبادة يعني خذوا عني خذوا عني الحديث وهذا على مذهب من يرى نسخ القرآن بالسنة . وذهب بعضهم إلى أن الآية [ ص: 72 ] منسوخة بآية الحد التي في سورة النور وقيل إن هذه الآية منسوخة بالحديث والحديث منسوخ بآية الجلد . وقال أبو سليمان الخطابي : لم يحصل النسخ في هذه الآية ولا في الحديث وذلك لأن قوله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا يدل على إمساكهن في البيوت ممدودا إلى غاية أن يجعل الله لهن سبيلا وأن ذلك السبيل كان مجملا ، فلما قال صلى الله عليه وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الحديث . صار هذا الحديث بيانا لتلك الآية المجملة لا ناسخا لها انتهى . وبقية الآية مع تفسيرها هكذا { واللذان يأتيانها } : أي الفاحشة الزنا أو اللواط { منكم } : أي الرجال { فآذوهما } : بالسب والضرب بالنعال { فإن تابا } : منها { وأصلحا } : العمل { فأعرضوا عنهما } : ولا تؤذوهما إن الله كان توابا : على من تاب { رحيما } به . قال السيوطي : وهذا منسوخ بالحد إن أريد بها الزنا وكذا إن أريد اللواط عند الشافعي ؛ لكن المفعول به لا يرجم عنده وإن كان محصنا بل يجلد ويغرب ، وإرادة اللواط أظهر بدليل تثنية الضمير ، والأول أراد الزاني والزانية ، ويرده تبيينهما بمن المتصلة بضمير الرجال واشتراكهما في الأذى والتوبة والإعراض وهو مخصوص بالرجال لما تقدم في النساء من الحبس انتهى . وقال العلامة الجمل : قوله واشتراكهما في الأذى إلخ نوزع فيه بأن الاشتراك في ذلك لا يخص الرجلين عند التأمل وبأن الاتصال بضمير الرجال لا يمنع دخول النساء في الخطاب كما قرر في محله انتهى ( وذكر ) : أي الله تعالى ( الرجل بعد المرأة ثم جمعهما ) : أي ذكر الله تعالى أولا المرأة حيث قال واللاتي يأتين الفاحشة ثم ذكر بعد ذلك الرجل لكن لا وحده بل جمع بين الرجل والمرأة حيث قال واللذان يأتيانها أي الرجل الزاني والمرأة الزانية فالحاصل أن المراد من اللذان يأتيانها عند ابن عباس رضي الله عنهما الزنا لا اللواط هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم
( فنسخ ذلك بآية الجلد ) : أي التي في سورة النور .
قال المنذري : في إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . [ ص: 73 ] ( قال السبيل الحد ) : أي السبيل المذكور في قوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا هو الحد . والحديث سكت عنه المنذري .
مسألة: التحليل الموضوعي
4415 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة حدثنا وهب بن بقية ومحمد بن الصباح بن سفيان قالا حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن بإسناد يحيى ومعناه قال جلد مائة والرجم حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا الربيع بن روح بن خليد حدثنا محمد بن خالد يعني الوهبي حدثنا الفضل بن دلهم عن الحسن عن سلمة بن المحبق عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث فقال ناس لسعد بن عبادة يا أبا ثابت قد نزلت الحدود لو أنك وجدت مع امرأتك رجلا كيف كنت صانعا قال كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء فإلى ذلك قد قضى الحاجة فانطلقوا فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله ألم تر إلى أبي ثابت قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالسيف شاهدا ثم قال لا لا أخاف أن يتتابع فيها السكران والغيران قال أبو داود روى وكيع أول هذا الحديث عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هذا إسناد حديث ابن المحبق أن رجلا وقع على جارية امرأته قال أبو داود الفضل بن دلهم ليس بالحافظ كان قصابا بواسط
الحاشية رقم: 1
( خذوا عني ) : أي حكم حد الزنا ( خذوا عني ) : كرره للتأكيد ( قد جعل الله لهن سبيلا ) : قال النووي : إشارة إلى قول الله تعالى فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو ذلك السبيل . واختلف العلماء في هذه الآية فقيل هي محكمة وهذا الحديث مفسر لها ، وقيل منسوخة بالآية التي في أول سورة النور ، وقيل إن آية النور في البكرين ، وهذه الآية في الثيبين ( الثيب بالثيب جلد مائة ورمي بالحجارة ) : اختلفوا في جلد الثيب مع الرجم فقالت طائفة يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري وإسحاق بن راهويه وداود وأهل الظاهر وبعض أصحاب الشافعي .
وقال جماهير العلماء الواجب الرجم وحده . وحجة الجمهور أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة منها قصة ماعز وقصة المرأة الغامدية قاله النووي ( والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ) : فيه حجة للشافعي والجماهير أنه يجب نفي سنة رجلا كان أو امرأة .
وقال الحسن لا يجب النفي . وقال مالك والأوزاعي لا نفي على النساء ، وروي مثله عن علي قالوا لأنها عورة وفي [ ص: 74 ] نفيها تضييع لها وتعريض لها للفتنة ، ولهذا نهيت عن المسافرة إلا مع محرم . وحجة الشافعي ظاهرة .
وقوله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب إلخ ليس على سبيل الاشتراط بل حد البكر الجلد والتغريب سواء زنى ببكر أم بثيب ، وحد الثيب الرجم ، سواء زنى بثيب أم ببكر ، فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب . قاله النووي .
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي . ( أخبرنا الربيع بن روح بن خليد ) : الحمصي وثقه أبو حاتم ( يسكتا ) : من [ ص: 75 ] السكوت أي يموتا ( فإلى ذلك ) : الزمان أي مدة الذهاب وإحضار الشهداء ( قد قضى الحاجة ) : وفرغ من الزنا ( كفى بالسيف شاهدا ) : فهذا السيف موضع الشهداء ( ثم قال ) صلى الله عليه وسلم : ( لا لا ) : بتكرار لا النهي أي لا تقتلوه بالسيف لأني ( أخاف أن يتتايع ) : بالياء التحتية قبل العين أي يتتابع وزنا ومعنى ( فيها ) : في تلك الواقعة أي مثلها ( السكران ) : بفتح السين أي صاحب الغيظ والغضب يقال سكر فلان على فلان غضب واغتاظ ولهم علي سكر أي غضب شديد ( والغيران ) : بفتح الغين المعجمة أي صاحب الغيرة .
قال الجوهري : الغيرة بالفتح مصدر قولك غار الرجل على أهله يغار غيرا ، ورجل غيور وغيران انتهى .
والمعنى أن صاحب الغضب والغيظ وصاحب الغيرة يقتلون الرجل الذي دخل بيته بمجرد الظن من غير تحقق الزنا منهما ( روى وكيع أول هذا الحديث ) : وهو قوله خذوا عني إلى قوله نفي سنة دون الزيادة التي زادها محمد بن خالد الوهبي ( وإنما هذا ) : الإسناد الذي ذكره وكيع ( إسناد حديث ابن المحبق أن رجلا ) : وهذا الحديث مع الكلام عليه سيأتي في باب الرجل يزني بجارية امرأته .
[ ص: 76 ] والحاصل أن هذا الإسناد أي إسناد الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق في قصة الجارية أن رجلا وقع على جارية امرأته الحديث دون حديث " خذوا عني خذوا عني " ، وإنما غلط فيه فضل بن دلهم فأدخل سند متن في متن آخر وإنما هما متنان بإسنادين متغايرين والله أعلم . وهذا الحديث ليس من رواية اللؤلؤي .
وقال المزي في الأطراف : هذا الحديث في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وأبي بكر بن داسة ولم يذكره أبو القاسم انتهى .
مسألة: التحليل الموضوعي
4418 حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا هشيم حدثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس أن عمر يعني ابن الخطاب رضي الله عنه خطب فقال إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا من بعده وإني خشيت إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى فالرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا إذا قامت البينة أو كان حمل أو اعتراف وايم الله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله عز وجل لكتبتها
الحاشية رقم: 1
( فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ) : بالرفع على أنها اسم كان ، وفيما أنزل خبره .
قال النووي : أراد بآية الرجم " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " وهذا مما نسخ لفظه وبقي حكمه ، وقد وقع نسخ حكم دون اللفظ وقد وقع نسخهما جميعا ، فما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك . وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة أن المنسوخ لا يكتب في المصحف وفي إعلان عمر رضي الله عنه بالرجم وهو على المنبر وسكوت الصحابة وغيرهم من الحاضرين عن مخالفته بالإنكار دليل على ثبوت الرجم انتهى ( ووعيناها ) : أي حفظناها ( ورجمنا من بعده ) . أي تبعا له صلى الله عليه وسلم . وفيه دلالة على وقوع الإجماع بعده ( أن يقول قائل ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ) : أي في الآية المذكورة التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها .
قال النووي : هذا الذي خشيه قد وقع من الخوارج وهذا من كرامات عمر رضي الله [ ص: 77 ] عنه . ويحتمل أنه علم ذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا كان محصنا ) : أي بالغا عاقلا قد تزوج حرة تزويجا صحيحا وجامعها . قاله الحافظ .
وقال في النهاية : أصل الإحصان المنع ، والمرأة تكون محصنة بالإسلام وبالعفاف والحرية وبالتزويج ، يقال أحصنت المرأة فهي محصنة ومحصنة وكذلك الرجل ، والمحصن بالفتح يكون بمعنى الفاعل والمفعول وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادر ، يقال أحصن فهو محصن ، وأسهب فهو مسهب ، وألفج فهو ملفج انتهى .
وقال في شرح السنة : هو الذي اجتمع فيه أربعة شرائط العقل والبلوغ والحرية والإصابة في النكاح الصحيح ( إذا قامت البينة ) أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع ( أو كان حمل ) : استدل بذلك من قال إن المرأة تحد إذا وجدت حاملا ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة ، وهو مروي عن عمر ومالك وأصحابه قالوا : إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدعي أنه من زوج أو سيد .
وذهب الجمهور إلى أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد بل لا بد من الاعتراف أو البينة ، واستدلوا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات .
قال الشوكاني في النيل : هذا من قول عمر ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس ، وكونه قاله في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالف ( أو اعتراف ) : أي الإقرار بالزنا والاستمرار عليه ، وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا وهو محصن يصح إقراره بالحد ، واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات .
قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مختصرا ومطولا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق