وظائف شركات البترول
الرئيسية » » علاج المصاب بالعين

علاج المصاب بالعين

Written By Unknown on الثلاثاء، 5 مارس 2013 | 11:42 م


علاج المصاب بالعين


علاج المصاب بالعين
        [ عن عروة ] عن زينب بنت أبي سلمة [ عن أم سلمة ] . أن [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال : "استرقوا لها، فإن بها النظرة ". أخرجاه في الصحيحين (1)
/ قال المؤلف : النظرة : العين ، وصبى منظور : أصابته العين. قال أبو عبيدة : يقال رجل به نظرة ، أي شحوب. والنظرة : العيب أيضا، يقال به نظرة وردة : أي قبح يرد النظر عنه ، ويقال : بفلانة نظرة فاسترقوا لها، يعني بها عين من الجن أصابتها . قال الشاعر :
وجاؤوا إليه بالتعاويذ والرقى وصبوا عليه الماء من ألم النكس
وقالوا به من أعين الجن نظرة 00 ولو علموا قالوا به أعين الإنس
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يعوذ حسنا وحسينا[ بقوله]: "أعيذكما بكلمات الله التامة ، من شر كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة "(2). ويقول : "هكذا كان أبي إبراهيم الخلي يعوذ إسماعيل وإسحاق" (3).
وفي رواية : "من قال إذا أصبح : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل عين لامة، ومن كل شيطان وهامة ، لم يضره عين ، ولا عقرب "
الهامة : إحدى الهوام ذوات السموم، كالحية والعقرب ونحوهما.
وعين لامة : معناه ذات لمم، وهي التي تصيب ما نظرت إليه بسوء.
وفي الصحيحين ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العين حق " (4).
وعن عبد الله بن شداد عن عائشة[ رضي الله عنها] : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أذن أن يسترقى من العين". أخرجاه في الصحيحين(5).
وإذا ثبتت الإصابة بالعين، فعلاجها المشهور هو الرقى ، ويكون بالقرآن والتعاويذ والدعاء؛ وقد تعالج بصفة أخرى ، وهو أن العائن يتوضأ للمعيون، ويصب ذلك الماء المتوضئ به على مستوفيا في شرح الحديث السادس عشر، من الأربعين المذكورة في الباب التاسع من هذا الكتاب.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "القرآن هو الدواء"(6).
وأنه قال : "عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " (7).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعوذ بهذه الكلمات : "أذهب الباس، رب الناس، أشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقما"(8) وأنه كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذات وينفث.
واعلم أن الرقى والتعاويذ وما أشبه ذلك إنما تفيد إذا أخذت بالقبول وحسن الاعتقاد، وصادفت الإجابة وفسحة الأجل. وبالجملة ، فإن الرقى والتعوذ التجاء إلى الله تعالى، ليهب العافية بسبب سؤاله ، كما يهبها بالسبب الذي وضعه له بالدواء.
والرقى جمع رقية ، تكتب بالياء.
قال الخطابي : فأما الرقى المنهى عنه، فهو ما كان بغير لسان العرب، فإنه لا يدري ما هو، فأما إذا كان مفهوم المعنى، وكان فيه / ذكر الله . فإنه مستحب متبرك به. وأما السفعة: فبسين مهملة مفتوحة، ثم فاء ساكنة، وهي الأثر الأسود، وقد فسرها بعض رواة الحديث بالصفرة، وفيه نظر.
قال الحربي به سفعة وسفع من الشيطان : أي سواد في وجهه.
قال ابن قتيبة : هي لون يخالف لون الوجه.
قال الأصمعي : هي حمرة يعلوها سواد.
قال ابن خالويه : وفلان به سفعة، أي جنون.
وفي كتاب العين : السفعة سواد وشحوب في الوجه ، وقيل غير/ ذلك.
قال أبو عبيد : هو مأخوذ من قوله تعالى : { لنسفعا بالناصية } [ العلق15]
قال المهدوي : هو مأخوذ من سفعته النار : إذا عرت وجهه. معناه : لنسودن وجهه، استغنى بذكر الناصية عن الوجه، قال الشاعر :
في يوم دجن (9) يريك الليل أسفعه كأنما هو في ظلمائه حلك
حكى أن معاوية مرض، فدخل عليه الحسن بن علي عليهما السلام يعوده، فتجلد معاوية ، وجلس عند دخول الحسن عليه، وأنشد لأبي ذؤيب :
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
فأتم الحسن البيتين وأنشد :
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
التميمة : واحدة التمائم ، وهي التعويذة وجمعها : تمائم ، ويقال للهياكل والقلائد المكتوب فيها ذلك تمائم ، قال الشاعر :
/ بلاد بها نيطت على تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها
روى عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : "لا رقية إلا من عين أو حمة" . رواه ابن ماجه (10)
قال الخطابي : الحمة/ سم ذوات السموم، وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور حمة ، لأنها مجرى السم . وليس في هذا نفي جواز الرقية في غيرهما من الأمراض؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه رقى بعض أصحابه من وجع كان به (11).
وقال للشفاء بنت عبد الله : " علمي حفصة رقية النملة"(12) . وإنما معناه : لا رقية أنفع من رقية العين والسم ، وهذا كما يقال : لا فتى إلا على، ولا سيف إلا ذو الفقار. والنملة : قروح تخرج في الجسد تعالج بالرقى وغيرها، فتبرأ بإذن الله تعالى.
وعن أنس رضي الله عنه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة". رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه (13).

و[ عن ابن عباس رضي الله عنهما ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالإثمد فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر". أخرجه الترمذي ، وابن ماجه (14) .
في معنى ما تقدم ، وشرحهما معا
[ عن محمد بن المنذر ] عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عليكم بالإثمد، عند النوم ، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر".
قال المؤلف : الإثمد: هو الكحل الأسود، وأفضله الأصفهاني، وهو معروف. وقد روى في بعض طرق هذا الحديث ، والذي قبله في الإثمد، أنه يجلو البصر. وفي بعضها أنه يشده، وكلا المعنيين صحيح، إذ من جملة منافعه شد البصر، بتقويته العين وأعصابها، وحفظ صحتها، وجلاء الحدقة وتنقية أوساخها. وقوله : "عند النوم" : لما يتبع النوم من السكون، وراحة العين من ضرر المبصرات/، وتكلف إدراك حقيقة المرئيات ، فتتمكن قوة الدواء من فعلها الخاص بها في حال السكون والراحة، لأن كل مؤثر في شئ يستحب أن يكون هو وما يؤثر ساكنين،/ ليمكنه التأثير فيه، على النحو [ الذي يجب، وبالمقدار الذي يجب ] .



وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العين حق، ولو كان شئ سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا". أخرجه مسلم والترمذي(15)
قال المؤلف : تقول العرب رجل معين، إذا أخذ بالعين ، استحسانا لصورته، أو كمال في معانيه ، وذلك إنما يتقي خوفا من العين، وفيه يقول الشاعر:
ما كان أحوج ذا الكمال إلى عيب يوقيه من العين
زعم بعض الحكماء أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين، فيهلك أو يفسد ، [ قالوا : ولا ] يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى ، / تتصل بالإنسان فيهلك، وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي أنها، إذا وقع بصرها على الإنسان هلك، وإن كان ذلك غير محسوس لنا، فكذلك العائن.
وقد أبطل بعض العلماء هذا المذهب، قال : وأقرب طريقة سلكها [ بعض منتحلي ] الإسلام منهم ، أن يقول غير بعيد أن تنبعث جواهر/ لطيفة غير مرئية من العين، فتصل بالمعيون، وتتحلل مسام جسمه، فيجعل الباري سبحانه وتعالى الهلاك عندها، كما يخلق الهلاك عند شرب السم، عادة أجراها ، لا ضرورة ولا طبيعة ألجأ العقل إليها.
قال القاضي عياض : وهذا مذهب أهل السنة، أن المعيون إنما يفسد عند نظر العائن بعادة أجراها الله سبحانه ، بأن يخلق الضرر عند مقابلة شخص لشخص آخر. وأما الوضوء، فإن الشرع أمر بالوضوء له.
وفي حديث سهل بن حنييف ، لما أصيب بالعين عند اغتساله فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائنة أن يتوضأ " . رواه مالك في الموطأ : (16)
قال : وصفه وضوء العائن عند العلماء : أن يؤتى بقدح من الماء، ولا يوضع القدح في الأرض ، فيأخذ منه غرفة يتمضمض بها ، ثم يمجها في القدح، ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ، ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى ، ثم بشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن، ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين ، ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى، ثم ركبته اليمنى، ثم اليسرى، على الصفة المتقدمة، وكل ذلك في القدح، ثم داخلة إزاره، وهو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن. كذا فسره الإمام المازري . وقد ظن بعضهم أن "داخلة الإزار" كناية عن الفرج، وجمهور العلماء على ما حكاه الإمام ، فإذا استكمل هذا / صبه من خلفه على رأسه. وهذا المعنى/ مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، وليس في قوة العقل الاطلاع على أسرار المعلومات كلها، فلا يدفع هذا إذ لا يعقل معناه. قال القاضي : إن غسل العائن وجهه : إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى ، وكذلك سائر أعضائه. إنما هو صبة على ذلك العضو في القدح. [ وكذلك غسل داخلة الإزار، إنما هو إدخاله وغمسه في القدح ] ، ثم يقوم الذي في يده القدح، فيصبه على رأس المعين من ورائه ، على جميع جسده ، ثم يكفأ القدح وراءه على ظهر الأرض. وقيل يغتفله بذلك حين صبه عليه.
روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله، أو من أخيه ما يعجبه،فليدع له بالبركة، فإن العين حق" (17).
وعن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه [ قال : "رأى عامر بن أبي ربيعة سهل بن حنيف يغتسل، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء، قال فلبط سهل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال : علام يقتل أحدكم أخاه ؟ ألا بركت ؟ اغتسل له " فغسل له عامر وجهه، ويديه ومرفقيه، وركبتيه وأطراف رجليه ، وداخلة إزاره في قدح، ثم صب عليه فراح مع الناس"(18).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان (19).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العين حق تدخل الجمل القدر، وتدخل الرجل القبر"(20).
/ حكاية في المعنى : قال : كان أبو عبد الله الساجي مجاب الدعوة ، وله كرامات، فبينما هو في بعض أسفاره إما حاجا وإما غازيا ، على ناقة فارعة ،/ وكان في الرفقة رجل عائن، [ قل ما ينظر إلى شئ ] إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد الله : احفظ ناقتك من العائن، فقال : ليس له إلى ناقتي سبيل ، فأخبر العائن بقوله ، فتحين غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحله، فعان ناقته ، فاضطربت وسقطت مضطربة. فأتى أبو عبد الله ، فقيل له : إن العائن قد عان ناقتك، وهي كما تراها. فقال : دلوني على العائن، فدل عليه، فوقف عليه وقال : باسم الله ، حبس حابس ، وحجر يابس، وشهاب قابس ، ردت عين العائن عليه، وعلى أحب الناس إليه،{فارجع البصر هل ترى من فطور* ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير * } [ الملك 3 ، 4 ] فخرجت حدقتا (21) العائن، وقامت الناقة ولا بأس بها.



وجاء عن أبي نعيم الأصبهاني يرفعه : "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه ، لم يأتها حتى تبرأ عينها" . رواه في الطب النبوي(22).
قال المؤلف : الرمد : ورم حار، يعرض في الطبقة الملتحمة من العين، وهو بياضها الظاهر، وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة التي تعرفها الأطباء، / أو ريح حارة ، إذا كثر مقدارها في الرأس والبدن، / أو ضربة تصيب العين فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقدارا كثيرا، تروم بذلك شفاءها مما عرض لها ، ولذلك يرم العضو المضروب، والقياس يوجب ضده. وبالجملة : فإن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة هائجة في حال الرمد، والجماع مما يزيدحركتها وثورانها لحركة البدن، وما يتعلق به من حركة النفس والروح والطبيعة ، أما البدن فيسخن بالحركة لا محالة ، وأما النفس فتتحرك طلبا للذة المقترنة بالجماع، وأما الروح فيتحرك تبعا لحركة النفس والبدن، إذ كان أول تعلق النفس من البدن بالقلب والروح الناشئة مه ، ثم لتعين على حصول المقصود من الجماع، لتسخينها البدن والعضو المباشر، لذلك كان أسخن ما في البدن الروح، ثم القلب الذي هو منشؤه وأما الطبيعة فلأنها ترسل ما يجب إرساله من المني الذي اجتمع في أوعية المني بالمقدار الذي يجب، فالحاصل من ذلك : أن الجماع حركة عامة عنيفة، وكل حركة فهي مثيرة للأخلاط، مرققة لها، توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة، والعين في حال رمدها أضعف ما تكون . ولذلك قال أبقراط في كتاب ( الفصول ): وقد يدل ركوب السفن ، على أن الحركة تثور الأبدان.
وقد ذكر للرمد منافع : منها ما يستدعيه من الحمية/ والاستفراغ، وتنقية الرأس والبدن من فضلاتهما وعفوناتهما. والكف عما يؤذي النفس والبدن من الغضب والحركات العنيفة ، والأعمال الشاقة، وغير ذلك.
وقد جاء في [ الأثر السلفي ] : " لا تكرهوا الرمد ، فإنه يقطع عروق العمى" (23) . وأمر صلى الله عليه وسلم بالحمية في معالجته ، بما روى :
أن صهيبا قدم وهو أرمد على النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين يديه خبز وتمر، فأخذ يأكذ من التمر، فقال : "أتأكل تمرا وبك رمد" (24) وقد ذكرنا الحديث أيضا في باب الحمية.
/ ومما يجب في معالجة الرمد أيضا، ملازمة السكون والراحة، وترك مسها والاشتغال بها، فإن أضداد ذلك توجب انصباب المواد إليها، ويؤيد ذلك ما روى عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : ( مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل العين. ودواء العين ترك مسها ) (25)
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم عالج الرمد مع [ ما ذكر ] بتقطير الماء البارد في العين (26) ، وهو من أكبر الأدوية له نفعا، وأسهل وجودا. إذ كان الرمد ورما حارا ، والماء دواء باردا، لا سيما إن كان مثلوجا. ويؤيد ذلك ما روى :
أن عبد الله (27) قال لزينب (28) : لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك ، وأجدر أن تشفي ، تنضحين في عينك الماء، ثم تقولين: "اذهب الباس ،رب الناس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما " (29) [ والله أعلم ] .


وعن حفظ صحة العين : إنه ينبغي أن يتوقى الحر والبرد والمفرطين ، والهواء الخارج عن الاعتدال ، والغبار والدخان، وكثرة البكاء، والتحديق، ودوام النسخ، وقراءة الخط الدقيق، إلا أحيانا على سبيل الرياضة، فإنه يقويها وينهض النور الباصر فيها. ويحذر كثرة النظر إلى الأجسام البراقة، والألوان البيض والسود، فإن أحدهما يضر بتفريقه الروح الباصر، والآخر بشدة جمعه له . وأفضل الألوان ما توسط بينهما، وهو الأخضر والأسمانجوني.
ويؤيد ذلك ما روى عن قتادة / عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة "(30).
وعن أبي سعيد [ عن ابن عباس رضي الله عنهما ] قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه النظر إلى الخضرة والماء الجاري " (31).
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظر إلى الخضرة يزيد في البصر، والنظر في الماء يزيد في البصر، والنظر إلى الوجه الحسن يزيد في البصر " (32) . رواه ابن الجوزي وغيره.
وينبغي أن يتعاهد الاكتحال بما يقوي العين، ويحفظ عليها صحتها من [الأكحال كالإثمد ] المطيب وغيره.
وقد ذكرت ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث ، وصفة الاكتحال عند ذكر الإثمد، في الباب العاشر من هذا الكتاب، فيعلم من هناك ، والله أعلم.


وروى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس ،قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العين حق؛ ولو كان شئ سابق القدر : لسبقته العين "(33)وفي صحيحه أيضا عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من الحمة والعين والنملة". وفي الصحيحين، من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العين حق" (34).
وفي سنن أبي داود ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت :" كان يؤمر العائن فيتوضأ،ثم يغتسل منه المعين"(35) . وفي الصحيحين عن عائشة، قالت: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم، أو أمر أن نسترقى من العين "(36).
وذكر الترمذي ـ من حديث سفيان بن عيينة،عن عمرو بن دينار ، عن عروة ابن عامر،عن عبيد بن رفاعة الزرقي ـ : " أن أسماء بنت عميس قالت : يا رسول الله؛ إن بني جعفر تصيبهم العين؛ أفأسترقي لهم ؟ فقال : نعم، فلو كان شئ يسبق القضاء، لسبقته العين " (37) . قال الترمذي : حديث حسن صحيح.
وروى مالك رحمه الله ، عن ابن شهاب ، عن أبي أمامة (38) بن سهل بن حنيف قال : "رأى عامر بن ربيعة، سهل بن حنيف يغتسل، فقال : والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة عذراء. قال : فلبط سهل ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه، وقال : علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؛ أغتسل له. فغسل له عامر وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه ، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح؛ ثم صب عليه. فراح مع الناس" (39).
وروى مالك رحمه الله أيضا ـ عن محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه ـ [هذا الحديث ، وقال فيه : "إن العين حق؛ توضأ له فتوضأ له" وذكر عبد الرزاق ـ عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ـ ] مرفوعا : " العين حق؛ ولو كان شئ سابق القدر : لسبقته العين ، فإذا استغسل أحدكم فليغتسل " . ووصله صحيح.
قال الترمذي : يؤمر الرجل العائن بقدح ، فيدخل كفه في فيه فيتمضمض، ثم يمجه في القدح، ويغسل وجهه في القدح؛ ثم يدخل يده اليسرى ، فيصب على ركبته اليمنى في القدح؛ ثم يدخل يده اليمنى ، فيصب على ركبته اليسرى؛ ثم يغسل داخلة إزاره ، ولا يوضع القدح في الأرض، ثم يصب على رأس الرجل الذي يصيبه [العين] من خلفه ، صبة واحدة.
والعين عينان : عين إنسية ، وعين جنية . فقد صح عن أم سلمة : "أن النبي صلى الله عليه وسلم ، رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة، فقال : استرقوا لها ، فإن بها نظرة " (40).
قال الحسين بن مسعود الفراء : وقوله "سعفة" أي : نظرة ؛ يعني من الجن. يقول : بها عين أصابتها من نظر الجن، أنفذ من أسنة الرماح.
ويذكر عن جابر ـ يرفعه ـ : "إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر"(41).
وعن أبي سعيد : "أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يتعوذ من الجان، ومن عين الإنسان" (42).
فأبطلت طائفة ـ ممن قل نصيبهم من السمع والعقل ـ أمر العين ، وقالوا : إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا؛ وأبعدهم من معرفة الأرواح والنفوس وصفاتها، وأفعالها وتأثيراتها.
وعقلاء الأمم ـ على اختلاف مللهم ونحلهم ـ لا تدفع أمر العين ولا تنكره : وإن اختلفوا في سببه ، ووجهة تأثير العين. فقالت طائفة : إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة ، انبعث من عينه قوة سمية تتصل بالعين، فيتضرر. قالوا : ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى ، تتصل بالإنسان فيهلك. وهذا أمر قد اشتهر عن نوع من الأفاعي :أنها إذا وقع بصرها على الإنسان هلك ، فكذلك العائن.
وقالت فرقة أخرى : لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية ، فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه، فيحصل له الضرر.
وقالت فرقة أخرى : قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر، عند مقابلة عين العائن لمن يعينه، من غير أن يكون منه قوة ، ولا سبب ، ولا تأثير أصلا.
وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتأثيرات في العالم. وهؤلاء قد سدوا على أنفسهم باب العلل والتأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء أجمعين. ولا ريب أن الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة ، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة . ولا يمكن العاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام : فإنه أمر مشاهد محسوس. وأنت ترى الوجه : كيف يحمر حمرة شديدة : إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه؛ ويصفر صفرة شديدة : عند نظر من يخافه إليه (43) . وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه. وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح. ولشدة ارتباطها بالعين، ينسب [ الفعل] إليها؛ وليست هي الفاعلة، وإنما التأثير للروح. والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها، وكيفياتها وخواصها. فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا. ولهذا أمر الله سبحانه رسوله : أن يستعيذ به من شره.
وتأثير الحاسد في أذى المحمود، أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية. وهو أصل الإصابة بالعين. فإن النفس الخبيثة الحاسدة، تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود، فتؤثر بتلك الخاصية. وأشبه الأشياء بهذا الأفعى : فإن السم كامن فيها بالقوة؛ فإذا قابلت عدوها: انبعث منها قوة غضبية، وتكيفت نفسها بكيفية خبيثة مؤذية . فمنها : ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين. ومنها : ما يؤثر في طمس البصر. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في الأبتر وذي الطفيتين (44) من الحيات: "إنهما يلتمسان البصر، ويسقطان الحبل". ومنها : ما يؤثر في الإنسان كيفيتها بمجرد الرؤية، من ير اتصال به ، لشدة خبث تلك النفس وكيفيتها الخبيثة المؤثرة.
والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية ، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة. بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية ، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل.
ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية؛ بل قد يكون أعمى ، فيوصف له الشئ فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره. وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية. وقد قال تعالى لنبيه : { وإن يكاد الذين كفروا ليزلفونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر } ؛ وقال : { قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق* ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد * } . فكل عائن حاسد ، وليس كل حاسد عائن. فلما كان الحاسد أعم من العائن : كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن .وهي : سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن، نحو المحسود والمعين، تصيبه تارة وتخطئه تارة. فإن صادفته مكشوفا لا وقاية عليه: أثرت فيه ولابد ؛ وإن صادفته حذرا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام ـ : لم تؤثر فيه؛ وربما ردت السهام على صاحبها . وهذا بمثابة الرمي الحسي سواء. فهذا من النفوس والأرواح ، وذاك من الأجسام والأشباح . وأصله من إعجاب العائن بالشئ، ثم يتبعه كيفية نفسه الخبيثة ، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرة إلى المعين.
وقد يعين الرجل نفسه ؛ وقد يعين بغير إرادته، بل بطبعه . وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنساني. وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء : "[إن] من عرف بذلك ؛ حبسه الإمام ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت". وهذا هو الصواب قطعا.

والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة .وهو أنواع
وقد روى أبو داود في سننه ، عن سهل بن حنيف ، قال : "مررنا بسيل ، فدخلت فاغتسلت فيه ، فخرجت محموما فنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : مروا أبا ثابت يتعوذه . (قال) فقلت : يا سيدي ؛ والرقى صالحة؟ فقال: لا رقية إلا في نفس أو حمة أو لدغة " (45) والنفس : العين، يقال : أصابت فلانا نفس ، أي عين . والنافس : العائن . واللدغة : بدال مهملة وغين معجمة؛ وهي ضربة العقرب ونحوها.
فمن التعوذات والرقى : الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي.
ومنها : التعوذات النبوية ؛ نحو : أعوذ بكلمات الله التامات [ من شر ما خلق ونحو : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة. ونحو : أعوذ بكلمات الله التامات ] التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء ، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر طوارق الليل والنهار، إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان .
ومنها : أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ، ومن شر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون.
ومنها : اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات، من شر ما أنت آخذ بناصيته ؛اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم إنه لا يهزم جندك ، ولا يخلف وعدك ؛ سبحانك وبحمدك.
ومنها : أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شئ أعظم منه ، وبكلماته التامات التي لا يجاورهن بر ولا فاجر ، وبأسماء الله الحسنى ـ ما علمت منها وما لم أعلم ـ من شر ما خلق وذرا وبرأ ، ومن شر كل ذي شر لا أطيق شره ، ومن شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته؛ إن ربي على صراط مستقيم.
ومنها : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، عليك توكلت ، وأنت رب العرش العظيم ؛ ماشاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ؛ لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ أعلم أن الله على كل شئ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شئ علما، وأحصى كل شئ عددا. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها؛ إن ربي على صراط مستقيم. وإن شاء قال : تحصنت بالله الذي لا إله إلا هو إلهي وإله كل شئ، واعتصمت بربي ورب كل شئ، وتوكلت على الحي الذي لا يموت ، واستدفعت الشر بلا حول ولا قوة إلا بالله ؛ حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الرب من العباد، حسبي الخالق من المخلوق، حسبي الرازق من المرزوق، حسبي الله هو حسبي ، حسبي الذي بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه؛ حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا، وليس وراء الله مرمى ؛ حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم.
ومن جرب هذه الدعوات والعوذ : عرف مقدار منفعتها ، وشدة الحاجة إليها. وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله ، بحسب قوة إيمان قائلها، وقوة نفسه واستعداده ، وقوة توكله وثبات قلبه. فإنها سلاح ، والسلاح بضاربه.
(فصل ) وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله : اللهم بارك عليه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة ـ لما عان سهل بن حنيف ـ :" ألا بركت " ؛ أي قلبت : اللهم بارك عليه.
ومما يدفع به إصابة العين ، قول : ما شاء الله ، لا قوة الله . روى هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه ـ قال : "ما شاء الله لا قوة إلا بالله " .
ومنها : رقية جبريل عليه السلام ، للنبي صلى الله عليه وسلم ـ التي رواها مسلم في صحيحه ـ : "باسم الله أرقيك ، من كل داء يؤذيك ؛ من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك؛ باسم الله أرقيك " (46).
ورأى جماعة من السلف : أن يكتب له الآيات من القرآن ، ثم يشربها . قال مجاهد : " لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ". ومثله عن أبي قلابة . ويذكر عن ابن عباس : أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها، آيتان من القرآن ، يغسل ويسقي. وقال أيوب : "رأيت أبا قلابة كتب كتابا من القرآن ، ثم غسله بماء وسقاه رجلا كان به وجع ".

( فصل ) ومنها : أن يؤمر العائن بغسل مغابنه وأطرافه ، وداخلة إزاره ـ وفيه قولان :
أحدهما: أنه فرجه . والثاني : أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن ـ ثم يصب على رأس المعين من خلفه بغتة. وهذا مما لا يناله علاج الأطباء؛ ولا ينتفع به من أنكره ، أو سخر منه ، أو شك فيه ، أو فعله مجربا : لا يعتقد أن ذلك ينفعه.
وإذا كان في الطبيعة خواص لا تعرف الأطباء عللها البتة ـ بل هي عندهم خارجة عن قياس الطبيعة تفعل بالخاصية ـ : فما الذي ينكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواص الشرعية ؟ ! هذا مع أن في المعالجة بهذا الاستغسال ، ما تشهد له العقول الصحيحة، وتقر لمناسبته . فاعلم أن ترياق سم الحية : في لحمها؛ وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها وإطفاء ناره : بوضع يدك عليه، والمسح عليه، وتسكين غضيه . وذلك بمنزلة رجل : معه شعلة من نار، وقد أراد أن يقذفك بها، فصببت عليها الماء وهي في يده ، حتى طفئت. ولذلك أمر العائن أن يقول : اللهم بارك عليه؛ ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين. فإن دواء الشئ بضده. ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد، لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن وداخلة الإزار ـ ولا سيما إن كان كناية عن الفرج ـ : فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها. [ وأيضا] : فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص. والمقصود : أن غسلها بالماء يطفي تلك النارية، ويذهب بتلك السمية . وفيه أمر آخر، وهو وصول أثر الغسل إلى القلب، من أرق المواضع وأسرعها تنفيذا ، فيطفئ تلك النارية والسمية بالماء، فيشفى المعين. وهذا كما أن ذوات السموم إذا قتلت بعد لسعها : خف أثر اللسعة عن الملسوع وجد راحته . فإن أنفسها تمد أذاها بعد لسعها وتوصله إلى الملسوع، فإذا قتلت : خف الألم . وهذا مشاهد : وإن كان من أسبابه فرح الملسوع واشتفاء نفسه بقتل عدوه، فتقوى الطبيعة على الألم فتدفعه. وبالجملة : غسل العائن يذهب تلك الكيفية التي ظهرت منه ؛ وإنما ينفع غسله عند تكيف نفسه بتلك الكيفية.
فإن قيل : فقد ظهرت مناسبة الغسل ؛ فما مناسبة صب ذلك الماء على المعين ؟
قيل : هو في غاية المناسبة . فإن ذلك الماء أطفأ تلك النارية، وأبطل تلك الكيفية الرديئة من الفاعل ؛ فكما طفئت به النار القائمة بالفاعل؛ طفئت به وأبطلت عن المحل المتأثر؛ بعد ملابسته للمؤثر العائن. والماء الذي يطفأ به الحديد ، يدخل فيه أدوية عدة طبيعية ذكرها الأطباء. فهذا الذي طفئ به نارية العائن، لا يستنكر أن يدخل في دواء يناسب هذا الدواء.
وبالجملة فطب الطبائعية وعلاجهم بالنسبة إلى العلاج النبوي ، كطب الطرقية بالنسبة إلى طبهم، بل أقل. فإن التفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم وأعظم من التفاوت الذي بينهم وبين الطرقية، بما لا يدرك الإنسان مقداره. فقد ظهر لك عقد الإخاء الذي بين الحكمة والشرع، وعدم مناقضة أحدهما للآخر.والله يهدي من يشاء إلى الصواب؛ ويفتح لمن أدام قرع باب التوفيق منه كل باب. وله النعمة السابغة، والحجة البالغة.

(فصل) ومن علاج ذلك أيضا والاحتراز منه : ستر محاسن من يخاف عليه العين، بما يردها عنه. كما ذكر البغوي في كتاب شرح السنة: "أن عثمان رضي الله عنه ، رأى صبيا مليحا، فقال : دسموا نونته لئلا تصيبه العين" ؛ ثم قال في تفسيره : ومعنى "دسموا نونته" أي : سودوا نونته؛ والنونة : النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير.
وقال الخطابي في غريب الحديث له : "عن عثمان أنه رأى صبيا تأخذه العين، فقال : دسموا نونته. فقال أبو عمرو : سألت أحمد بن يحيي عنه، فقال : أراد بالنونة النقرة التي في ذقنه؛ والتدسيم : التسويد. أراد : سودوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العين . قال : "ومن هذا حديث عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خطب ذات يوم وعلى رأسه عمامة دسماء؛ أي : سوداء"؛ أراد الاستشهاد على اللفظة . ومن هذا أخذ الشاعر قوله :
ما كان أحوج ذا الكمال إلى 00 عيب يوقيه من العين !!
(فصل ) ومن الرقى التي ترد العين ما ذكر عن أبي عبد الله التياحي : "أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو ، على ناقة فارهة ؛ وكان في الرفقة رجل عائن قلما نظر إلى شئ إلا أتلفه . فقيل لأبي عبد الله : احفظ ناقتك من العائن. فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل. فأخبر العائن بقوله ، فتحين غيبة أبي عبد الله : فجاء إلى رحله ، فنظرإلى الناقة، فاضطربت وسقطت . فجاء أبو عبد الله ، فأخبر : أن العائن قد عانها، وهي كما ترى فقال : دلوني عليه. فدل ، فوقف عليه : وقال باسم الله ؛ حبس حابس ، وحجر يابس وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه، وعلىأحب الناس إليه ؛ { فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير } [ ] فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها".


---------------------------------------------
المراجع والهوامش
--------------

رواه البخاري في (الطب) باب رقية العين (10/199) ، ومسلم في (السلام) باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ، والحاكم (4/202)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/348) ،وعبد الرزاق في المصنف رقم (19769) . والسفعة : بفتح السين ، ويجوز ضمها، وسكون الفاء ، سواد في الوجه، ومنه سفعة الفرس : سواد ناصيته، وعن الأصمعي : حمرة يعلوها سواد، وقيل : صفرة، وقيل سواد مع لون آخر، وقال ابن قتيبة : لون يخالف لون الوجه، وكلها متقاربة. قال الحسين بن مسعود الفراء : وقوله : (سفعة) أي نظرة، يعني : من الجن. يقول : بها عين أصابتها من نظر الجن، أنفذ من أسنة الرماح. الطب النبوي لابن قيم الجوزية ص 164.
رواه البخاري في كتاب (الأنبياء) باب : حدثنا موسى بن إسماعيل (6/408) ، وأبو داود في سننه في كتاب (السنة) باب في القرآن (4/235) رقم (4737) ، والترمذي في (الطب) باب (18) (4/396)رقم (2060)،وقال : هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في الطب باب : ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوذ به (2/1164، 1165) رقم (3525)
رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب حدثنا موسى بن ِإسماعيل ، وابن ماجه رقم (3525) ، وأبو داود رقم (4737) ، والترمذي في سننه (2060) وقال عنه: حسن صحيح ، والإمام أحمد (1/270)، والحاكم (3/167)، والطبراني في الكبير (10/87، 11/248) ، والصغير رقم (2571).
أخرجه البخاري (10/392) في (اللباس) ، باب الواشمة، وفي كتاب الطب، باب العين حق (10/173) ، ومسلم في كتاب السلام ، باب الطب والمرض والرقى رقم (2187) ، والترمذي في الطب باب ما جاء في العين حق (2066) ، وابن ماجه في الطب باب العين رقم (3506، 3507)، وأحمد في المسند (2/318، 319)، وأبو داود في الطب ، باب ما جاء في العين (3879)، وابن حبان في صحيحه (7/415)، والبغوي في شرح السنة (12/103) ، وعبد الرزاق في مصنفه (11/8).
أخرجه البخاري في الطب باب رقية العين (10/210) ، ومسلم في السلام باب استحباب الرقى من العين (5/14شرح النووي ) ، والنسائي في الطب باب رقية العين (4/365) ،والحاكم (4/412)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/347)
رواه ابن ماجه في الطب ، باب الاستشفاء بالقرآن (3501) بلفظ : "خير الدواء القرآن" من طريق الحارث عن علي مرفوعا به . قال الذهبي في ميزان الاعتدال (1/436) قال ابن سيرين ، عامة ما يروي عن علي باطل، وقال ابن المديني : كذاب والحديث ضعفه السيوطي في فيض القدير (3/471).
أخرجه ابن ماجه في الطب باب الغسل (2/1142) رقم (3452) من طريق زيد بن الحباب ، ثنا سفيان ع، أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود مرفوعا ،والحاكم في المستدرك (4/200) وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه،ووافقه الذهبي ، وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن سفيان. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (6/133) وقال عنه : غريب تفرد به زيد بن الحباب من حديث الثوري ،وكذا أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/51) وفي تصحيح الحاكم له نظر لما يأتي : فقد أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (7/14، 94) الحاكم (4/200) من طريق وكيع عن سفيان بالإسناد المذكور موقوفا ، وتابعهما على وقفه سعيد بن منصور عن أبي الأحوص بسند سفيان المذكور عند الطبراني في الكبير (9/252) رقم (9076) ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/461/4) من وجه آخر عن أبي معاوية وابن نمير عن الأعمش عن أبي خيثمة عن الأسود قال : قال عبد الله : فكذره وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين وهو أصلح من إسناد الثوري عن إبي إسحاق.
أخرجه البخاري في الطب ، باب : دعاء العائد للمريض ،ومسلم في السلام،باب استحباب رقية المريض (5/13)، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (19783) ، والطبراني في الكبير (4/327، 19/240) ، وابن أبي شيبة (5/442) من حديث عائشة وورد الحديث بلفظ "كان عليه الصلاة والسلام إذا أتى مريضا أو أتى به إليه قال : ... الخ الحديث. وورد عن عبد الله بن مسعود أن امرأته زينب رضي الله عنها قالت له : إني خرجت يوما فأبصرني فلان، فدمعت عيني التي تليه، فكنت إذا رقيتها سكن دمعها، وإذا تركتها دمعت، فقال : ذاك الشيطان إذا أطعتيه تركك، فإذا عصيتيه طعن أصبعه في عينك، ولكنك لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفين ، تنضحين في عينك الماء وتقولين : . . . ثم ذكر الحديث . وهذا الحديث بلفظه الأخير أخرجه أبو داود (4/212، 213) برقم (3883) وقال المنذري : الراوي عن زينب مجهول ، ورواه ابن ماجه ( 2/167) برقم (3530) وهذا لفظه ، والحاكم في المستدرك (4/62) وسكت عنه هو والذهبي.
الدجن : ظلمة الغيم في اليوم المطير، والمطير الكثير. الجمع دجون.
10ـ أخرجه البخاري في الطب ، باب من اكتوي أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، موقوفا على عمران بن حصين ، ومسلم في الإيمان باب دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ، وأبو داود في الطب في تعليق التمائم (3844) رقم (3884، 3889) وأخرجه ابن ماجه مرفوعا، في الطب باب ما رخص فيه من الرقى (2/1161/ح 3513) ، وفي الباب عن عمران بن الحصين عند أحمد، والترمذي رقم (2058) في الطب باب ما جاء في الرخصة في الرقية والطبراني في الكبير(18/235 رقم 587) والإمام أحمد (4/436، 438، 446) ، والبيهقي (9/348) وإسناده صحيح.
11ـ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ أهله يمسح بيده اليمنى ويقول : "اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما " رواه البخاري في الطب باب النفث في الرقية، ومسلم في السلام باب استحباب رقية المريض ن وروى مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " صحيح مسلم كتاب : السلام ، باب استحباب وضع يده على موضع الألم.
12ـ رواه الحاكم في المستدرك (4/414) وصححه هو والذهبي ، وروى أبو داود في سننه رقم (3887) عن الشفاء بنت عبد الله قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال : "ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة" ، ورواه الإمام أحمد في مسنده (6/372)، والنسائي في الطب باب رقية النملة (4/366/ ح 7543) .
13ـ أخرجه مسلم في السلام ،باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ، والترمذي في كتاب الطب ، باب ما جاء في الرخصة في ذلك وقال : حديث حسن غريب، وابن ماجه في كتاب الطب ، باب ما رخص فيه من الرقى، وأحمد في المسند (3/118) وفي المخطوط ( رخص في الرقية عن الحمة والعين والنملة ) (25/أ) .
14ـ أخرجه ابن ماجه في السنن كتاب الطب، باب الكحل بالإثمد (ح3495) والترمذي في اللباس باب ما جاء في الاكتحال ( ح 1761) وفي الشمائل (ص32 رقم 52) والحاكم في المستدرك (2/207) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي . واحديث في إسناده عثمان بن عبد الملك المكي المؤذن يقال له : مستقيم . قال أبو حاتم : منكر الحديث . وقال أحمد : ليس بذاك (الميزان 3/48) وقال في التقريب: لين الحديث (ص 235) لكن ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر وينبت الشعر" رواه ابن ماجه في الطب رقم (3497) ، وأحمد (3036، 3426) ، وأبو داود رقم (3878) ، والبيهقي في السنن الكبرى (3/245) ، وإسناده صحيح ، وصححه ابن حبان (1439، 1440) .

شارك هذاه المقالة :
 
شركائنا : قانون | وظائف ذهبية | softpedia download
copyright © 2013. موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) - بعض الحقوق محفوظة
القالب من تصميم Creating Website و تعريب وظائف ذهبية
بكل فخر نستعمل Blogger