علاج الحمى
عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن شدة الحمى من فيح جهنم ، فابردوها بالماء" . أخرجاه في الصحيحين (1)
قال المؤلف : هذا خطاب لأهل الحجاز، إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية [الحادثة عن شدة حرارة الشمس] بهمزة وصل ، وبضم الراء ، وهو الصحيح.
وحكى القاضي عياض (2) في [المشارق] أنه يقال بهمزة قطع، وسر الراء، في لغة / حكاها الجوهري ، وقال : هي لغة [ردية].
وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة أن جهنم مخلوقة الآن موجودة .. وقوله : "فيح جهنم" [ وفي رواية : "من فور جهنم" ] (3) هو بفتح الفاء [فيهما] وهو شدة حرها ولهيبها وانتشارها ، قال الليث : الفيح : سطوع الحر، يقال : فاحت القدر تفيح : إذا غلت.
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من حم ثلاث/ ساعات ، فصبر فيها شاكرا لله حامدا له ، باهى الله به ملائكته ، فقال : يا ملائكتي ، انظروا إلى عبدي وصبره على بلائي ، اكتبوا لعبدي براءة من النار. فيكتب له بسم الله الرحمن الرحيم براءة من الله لعبده فلان بن فلان ، إني قد أمنتك من عذابي ، وأوجبت لك جنتي ، فأدخلها بسلام" وعن مجاهد ، في قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها } [ مريم 71] قال : "من حم من المسلمين فقد وردها (4) ، ويؤيده ما روى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة "(5) ومعنى الحمى من حيث اللغة : شدة الحر ومعظمه. وقد جاءت بمعنى التقدير؛ يقال : حمت الأمور: إذا قدرت ، قال الشاعر :
أبى الله أن يلقى الرشاد متيم ألا كل أمر حم لا بد واقع
ومن حيث الطب حرارة غريبة تشتعل في القلب ، وتنبت فيه، يتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن، فتشتعل فيه اشتعالا يضر بالأفعال الطبيعية. وهي تنقسم إلى قسمين :
مرضية : وهي أجناس الحميات الثلاث التي تذكر .
وعرضية : كالحادثة عن الأورام . وأجناس الحمى المرضية ثلاثة، لأنها لا تكون إلا في مادة أولى ، ثم منها تسخن سائر الأجسام الأخرى، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح، سميت حمى يوم ، لأنها في الغالب تزول في يوم، ونهايتها/ ثلاثة أيام، وإن كان مبدأ تعلقها بالأخلاط سميت عفنة، وإن كان مبدأها تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت : حمى دق. وتحت كل جنس من هذه الأجناس المذكورة أنواع من الحميات، وأصناف ليس هذا موضع ذكرها، وكثيرا ما تكون حمى يوم وحمى العفن سببا لإنضاج مواد غليظة، لم تكن تنضج بدونها، وسببا لتفتح سدد لم تكن تصل إليها الأدوية المفتحة. وأما الرمد الحديث والمتقادم، فإنها تبرئ أكثر أنواعه برءا عجيبا وحيا مجربا. وهي تنفع من الفالج (6) واللقوة(7) والتشنج(8) الامتلائي ، وكثير من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة.
روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبها رجل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تسبها، فإنها تنقي الذنوب، كما تنقي النار خبث الحديد" . رواه ابن ماجه(9)
ولما كانت الحمى تتبعها حمية عن الأغذية الردية، وتناول الأدوية والأغذية النافعة ، وفي ذلك كله إعانة على تنقية البدن، ونفى أخباثه نفى خبثه، وتصفية جوهره ، شبه نار الحمى بنار الكير(10) ، والبدن بالحديد، وفضول البدن بخبث الحديد. والذي صرح به في الحديث : أنها تنفي الذنوب، لأنها كفارة السيئات والخطايا.
روى عن / رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : [ "حمى يوم كفارة سنة" (11) . قال الحسن البصري : "إنه ] ليكفر عن العبد خطاياه كلها بحمى ليلة ".
/ والكفارة تمحو ذنوب المكفر عنه ، والمريض يتذكر العقبى ويندم على ما مضى ، ويستغفر من الخطايا ، ويقلع عن الذنوب ، فيعود كمن لا ذنب له، لأنه يتوقع موته في حال مرضه .
روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : "الحمى رائد الموت ، وسجن الله في الأرض" (12) .
قال الأزهري : معنى رائد الموت أي : رسول الموت .
روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا دخلت على المريض ، فمره يدعو لك، فإن دعاءه كدعاء الملائكة" رواه ابن ماجه وغيره (13).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : "ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى ، لأنها تدخل في كل عضو مني ، وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر" (14) وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "إن شدة الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء" : فالذي يظهر أنه لم يرد بهذا الحديث من أقسام الحميات، سوى ما كان من حمى يوم عن حر الشمس . فإن وقوعها بالحجاز كثير، وتسكن عن المكان بالانغماس في الماء البارد، وسقى الماء البارد المثلوج، ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر، فإن هذه الحمى مجرد كيفية حارة متعلقة بالروح، فيكفي في علاجها مجرد وصول كيفية باردة تسكنها وتخمدها ، في أي وقت كان منها، من غير حاجة إلى استفراغ مادة أو انتظار نضج، ويجوز استعمال الماء البارد في سائر الحميات الأخر، على ما شرطه جالينوس(15).
قال جالينوس / في العاشرة من حلية البء : ولو أن رجلا شابا حسن اللحم، خصب البدن، في وقت القيظ في وقت منتهى من الحمى ، وليس في أحشائه ورم، استحم بماء بارد أو سبح فيه ، لانتفع بذلك، ونحن نأمر بذلك بلا توقف. . فهذا ما أمكن ذكره من شرح هذا الحديث ، وما في معناه من أمر الحميات الدائمة ، واليومية ، وغيرها .
/ وأما الحميات العفنة التي يتقدمها برد ونافض ، فقد روى فيها هذا الحديث .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم السائب ـ أو أم المسميب ـ ، فقال : " ما لك ترفرفين" ؟ قالت : الحمى لا بارك الله فيها ، فقال : " لا تسبي الحمى ، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد" . رواه مسلم (16).
قال المؤلف : قوله : "ترفرفين " بالراء المهملة المكررة، والفاء المكررة: الحركة والانتفاض.
قال الجوهري : ورفرف الطائر : إذا حرك جناحيه حول الشئ ، يريد أن يقع عليه ، وروى ، تزفزفين ، بالزاي المعجمة المكررة والفاء المكررة. والزفيف السريع : أي : تسرعين الحركة والاضطراب . قال الجوهري : زف القوم في مشيهم : أي أسرعوا . منه قوله تعالى : { فأقبلوا إليه يزفون } [الصافات 94] . وسبب البرد والنافض في الحميات (العفنة) هو سيلان المواد الحادة اللذاعة ، عند كون الحمى على الأعضاء [ الحساسة التي في ظاهر البدن آخذة إلى مستوقد العفونة ومغيضها فتهرب الحرارة الغريزية التي في تلك الأعضاء ] الحساسة منها ، إذ هي ضدها ، وتتوجه نحو القلب الذي هو أصلها ومنشؤها، / فيبرد ظاهر البدن لذلك ، وتحصل الرعدة والقشعريرة والبرد على حسب كثرة المادة وقلتها ، وقلة العفونة وشدتها، ويحصل عند ذلك العطش لميل الحرارة الغريزية إلى داخل البدن، وتضادها على القلب.
وهذا ما أمكن ذكره في هذا الموضع ، على سبيل الاختصار، والله أعلم.
واختلف الناس في ذلك، فقال قوم : هذه كانت عادة العرب، والعادة كالطبيعة . وقد علم أن بلادهم شديدة الحرارة واليبس ، والماء مبرد مرطب،
فيكون نافعا لهم . وقد ذكر في هذا التبريد بالماء للمحموم أوجه، منها الاغتسال ، وهو ظاهر الحديث، ومنها غير ذلك مما ورد في متون الحديث، وجاء في حديث : أن المراد به ماء زمزم ، فيكون إذن للتبرك.
وأما من حيث صناعة الطب، فيجوز استعماله بعد اعتبار شرائط، ذكرها الرازي؛ وهي : إذا كانت القوة قوية ، والحمى حادة جدا، والنضج بين، ولا ورم في الجوف ولا فتق، نفع الماء البارد شربا ، وإن كان العليل خصب البدن، والزمان حار، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج/ فليؤذن فيه.
وقد تقدم في شرح الحديث الرابع من الأربعين الأولى ، ما يغني عن إعادته في ذلك .
وعن عفان بن مسلم ، عن همام ، عن أبي جمرة الضبعي قال : كنت أجالس ابن عباس [ رضي الله عنهما ] بمكة، فأخذتني الحمى ، فقال : أبردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء، أو قال : بماء زمزم " . رواه البخاري في أفراده.
قال المؤلف : تداوله بعضهم ، فقال : معناه تصدقوا بالماء. وقال آخرون : بل هو شرب مبرد في الحمى الصفراوية . والصحيح ما قدمنا ذكره في أول الكتاب .
في معنى ما تقدم (هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الحمى )
ـ
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا حم أحدكم ، فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر" رواه ابن الجوزي وغيره
وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الحمى كير من كير جهنم ، فنحوها عنكم بالماء البارد " رواه ابن ماجه .
تابع علاج الحمى
عن سمرة بن جندب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"الحمى قطعة من النار، فأبردوها عنكم بالماء البارد "
" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حم ، دعا بقربة من الماء فأفرغها على رأسه، فاغتسل " [ رواه ابن الجوزي]
قال المؤلف : قد تقدم : شرح هذه الأحاديث المذكورة في معالجة الحمى بالماء البارد، في شرح الحديث الرابع / من الأربعين الأولى ، فيعلم من هناك إن شاء الله تعالى .
تابع علاج الحمى
عن نافع بن جبير أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا أصابت أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء البارد، [فليستنقع في نهر جار ، وليستقبل جريته بعد صلاة الصبح ] وقبل طلوع الشمس، وليقل : باسم الله ، اللهم اشف عبدك، وصدق رسولك ، ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام ، فإن برئ وإلا [ ففي خمس ] ، فإن لم يبرأ في خمس ، فسبع ، فإن لم يبرأ في سبع فتسع ، فإنها لا تكاد تجاوز التسع بإذن الله" رواه الترمذي .
قال المؤلف : أراد بقوله صلى الله عليه وسلم : "بعد الفجر وقبل طلوع الشمس " : في فصل الصيف، في البلاد الحارة كالحجاز واليمن ونحوهما، [ لا سيما إن كان شابا ] ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون ، لبعده عن ملاقاة اشمس ، ووفور القوي في ذلك الوقت ، لما أفادها النوم والسكون وبرد الهواء، فتجتمع قوة القوي وقوة / الدواء ، وهو الماء البارد، على حرارة الحمى، التي هي من جنس حمى يوم أو الغب الخالصة ، فيقطعها بإذن الله ، لا سيما [ في أحد ] الأيام المذكورة ، وهي الأيام التي [ يقع فيها بحران الأمراض الحادة ] كثيرا ، لا سيما [ في البلاد ] المذكورة لرقة أخلاط سكانها ، وسرعة انفعالهم عن الأدوية النافعة لهم ، والله أعلم .
وجاء فى كتاب الأحكام النبوية عن الحمية (17) أنها كف ما يؤذي أو يزيد في المرض ، فإذا احتمى الإنسان وقف مرضه ، وأخذت القوى في دفعه ، وقد جاء في الحديث :
[ قوله صلى الله عليه وسلم ] : "الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعودوا كل جسم ما اعتاد"(18) [ ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن ] كان يأمر الحمية ، والكف عما يؤذي المريض.
روى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة، صدرت العروف بالصحة، وإذا سقمت المعدة، صدرت العروق بالسقم"(19)
وعن أيوب بن عدب الرحمن بن صعصعة، عن يعقوب بن أبي يعقوب، عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت / : "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي ، وعلى ناقه من مرض، ولنا دوالي معلقة؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علي يأكل منها ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ لعلي : "مه يا علي ، فإنك ناقه" (20) ، فجلس علي والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل ، قالت : فجعلت له سلقا(21) وشعيرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا علي من هذا فأصب] ، فإنه أوفق لك"رواه ابن ماجه (22).
/ الدوالي (23) : معروفة : وقيل : الدالية عذق البسر
وعن ساعد بن سعيد [ عن حذيفة ] ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى أشد حمية للمؤمن من الدنيا ، من المريض أهله من الطعام " رواه ابن الجوزي (24) .
وعن محمد بن الهيثم قال : سمعت حفص [ ابن عتاب] يقول : "إن النبي صلى الله عليه وسلم حمى عليا في مرض مرضه ، [ وأنه كان ] يعد عليه التمر واحد ، اثنين ، ثلاثة ، إلى سبعة ، ثم يمسك "
قال بشر : سمعت الزنجي يذكر عن زيد بن أسلم ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حمى مريضا له حتى إنه كان من شدة ما حماه كان يمص النوى(25).
وعن عبد الحميد بن الصيفي عن أبيه ، عن جده : أن صهيبا قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر فقال : ادن فكل ، فأخذت تمرا فأكلت ، فقال : أتأكل تمرا وبك رمد ؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما أمضغ من الناحية الأخرى ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه وغيره (26).
وحكى عن الحارث بن كلدة ، وهو / طبيب العرب، أنه قيل له : ما رأس الطب ؟ قال : الحمية (27) ، قال له معاوية : ما الطب يا حارث ؟ فقال : الأزم يا معاوية ، يعني الجوع .
وقيل لآخر : ما أفضل الدواء ؟ قال : أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه .
وقيل لبعض الحكماء : أي الأدم أطيب ؟ قال : الجوع: ما ألقيت إليه/ من شئ إلا قتله
وقال آخر : الشبع داعية البشم ، والبشم : داعية السقم ، والسقم : داعية الموت ، ومن مات بهذه الميتة، فقد مات ميتة لئيمة ، لأنه قاتل نفسهن وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره .
وقال الحكماء : البطنة تذهب الفطنة (28).
وقيل لبعض الحكماء : ما تعدون الأحمق فيكم ؟ قال : الذي يملأ بطنه من كل ما وجد .
وحكى عن بعض الفلاسفة ، أنه كان يحمل على نفسه في الحمية ، فقال له تلميذه : أيها الحكيم : لو ردت في غذائك ، فازددت به قوة ونشاطا؟ فقال له : يا بني ، إنما أطلب الغذاء ، حرصا مني على البقاء، ولا أطلب البقاء حرصا مني على الغذاء .
ولم يزل العلماء والصالحون يقللون الغذاء ، ويكثرون الرياضة ، وكذلك غيرهم من سكان البراري وأصحاب الكد والتعب ، وهم أصح بدنا وأحسن حالا ، وأقوى شهوة ، وأخف حركات . ولهذا المعنى .
قال صلى الله عليه وسلم : " صوموا تصحوا " (29) .
وعن سلمان رضي الله عنه : أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة "(30)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن من السرف / أن تأكل كل ما اشتهيت " (31) أخرجهما ابن ماجه.
وعن عبد الرحمن بن المرقع قال : "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، وجد كيسا فيه ألف وثمانمائة دينار، فقسمها على ثمانية عشر سهما، وكانت يومئذ مخضرة من الفواكه، فوقع الناس في الفواكه، فمغثتهم الحمى ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أيها الناس، إن الحمى رائد الموت ، وسجن الله في الأرض ، وقطعة من النار، فإذا أصابتكم فبردوا الماء في الشنان، وصبوه عليكم فيما بين الصلاتين " : يعني المغرب والعشاء ، ففعلوا ، فذهبت عنهم . ثم قال : " أيها الناس، إنه لم يخلق الله وعاء شرا من بطن" (32).
وعن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رمد، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله، فقال : " يا عليي تشتهيه ؟ " ورمى إليه بتمرة، ثم بأخرى ، حتى رمى إليه سبعا ، ثم قال : "حسبك يا علي" (33).
و ثبت في الصحيحين ، عن نافع عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنما الحمى أو شدة الحمى من فيح جهنم ؛ فأبردوها بالماء" (34)
وقد أشكل هذا الحديث على كثير من جهلة الأطباء، ورآه منافيا لدواء الحمي وعلاجها. ونحن نبين ـ بحول الله وقوته ـ وجهه وفقهه؛ فنقول:
خطاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نوعان : عام لأهل الأرض، وخاص ببعضهم . فالأول : كعامة خطابه . والثاني كقوله : "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ، ولا تستدبروها؛ ولكن شرقوا أو غربوا". فهذا ليس بخطاب لأهل المشرق ولا المغرب ولا العراق ؛ ولكن لأهل المدينة وما على سمتها: كالشام وغيرها . وكذلك قوله : "ما بين المشرق والمغرب قبلة".
وإذا عرف هذا : فخطابه في هذا الحديث خاص بأهل الحجاز وما والاهم؛ إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من نوع الحمى اليومية العرضية، الحادثة عن شدة حرارة الشمس . وهذه ينفعها الماء البارد : شربا، واغتسالا . فإن الحمى حرارة غريبة تشتعل بالقلب ، وتنبث منه ـ بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق ـ إلى جميع البدن ، فتشتعل فيه اشتعالا : يضر بالأفعال الطبيعية .
وهي تنقسم إلى قسمين : عرضية ؛ وهي الحادثة : إما عن الورم، أو الحركة ، أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ، ونحو ذلك . ومرضية؛ وهي ثلاثة أنواع . وهي لا تكون إلا في مادة أولى ، ثم منها يسخن جميع البدن. فإن كان مبدأ تعلقها بالروح، سميت : حمى يوم ؛ لأنها في الغالب تزول في يوم ، ونهايتها ثلاثة أيام(35) . وإن كان مبدأ تعلقها بأخلاط؛ سميت : عفنية؛ وهي أربعة أصناف : صفراوية، وسوداوية ، وبلغمية ، ودموية . وإن كان مبدأ تعلقها بالأعضاء الصلبة الأصلية، سميت : حمى دق . وتحت هذه الأنواع أصناف كثيرة.
وقد ينتفع البدن بالحمى انتفاعا عظيما لا يبلغه الدواء؛ وكثيرا ما يكون حمى يوم وحمى العفن، سببا لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها، وسببا لتفتح سدد لم تكن تصل إليها الأدوية المفتحة .
وأما الرمد الحديث والمتقادم : فإنها تبرئ أكثر أنواعه برءا عجيبا سريعا. وتنفع من الفالج واللقوة والتشنج الامتلائي ، وكثيرا من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة .
وقال لي بعض فضلاء الأطباء : إن كثيرا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى(36) : كما يستبشر المريض بالعافية ؛ فتكون الحمى فيه أنفع من شرب الدواء بكثير : فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ، ما يضر بالبدن؛ فإذا أنضجتها صادفها الدواء : متهيئة للخروج بنضاجها ؛ فأخرجها . فكانت سببا للشفاء .(37)
وإذا عرف هذا فيجوز : أن يكون مراد الحديث من أقسام الحميات العرضية. فإنها تسكن على المكان : بالانغماس في الماء البارد، وسقى الماء البارد المثلوج . ولا يحتاج صاحبها مع ذلك إلى علاج آخر(38) فإنها مجرد كيفية حارة متعلقة بالروح، فيكفي في زوالها مجرد وصول كيفية باردة : تسكنها وتخمد لهبها ، من غير حاجة إلى استفراغ مادة ، أو انتظار نضج .
ويجوز : أن يراد به جميع أنواع الحميات .
وقد اعترف فاضل الأطباء جالينوس : بأن الماء البارد ينفع فيها ؛ قال في المقالة العاشرة من كتاب "حيلة البرء" : " ولو أن رجلا شابا ، حسن اللحم، خصب البدن ـ في وقت القيظ ، وفي وقت منتهي الحمى ـ في أحشائه ورم ، استحم بماء بارد، أو سبح فيه ـ : لانتفع بذلك " . وقال : "ونحن نأمر بذلك بلا توقف " .
وقال الرازي في كتابه الكبير : "إذا كانت القوة قوية والحمى حادة جدا ـ النضج بين ، ولا ورم في الجوف ، ولا فتق ـ : ينفع الماء البارد شربا . وإن كان العليل خصب البدن ، والزمان حار ، وكان معتادا لاستعمال الماء البارد من خارج ـ : فليؤذن فيه" .
وقوله : "الحمى من فيح جهنم" هو شدة لهبها وانتشارها : ونظيره قوله: "شدة الحر من فيح جهنم " وفيه وجهان :
أحدهما : أن ذلك أنموذج ورقيقة اشتقت من جهنم ، ليستدل بها العباد عليها ويعتبروا بها. ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها. كما أن الروح والفرح والسرور واللذة : من نعيم الجنة ؛ أظهرها الله في هذه الدار: عبرة ودلالة ؛ وقد ظهورها بأسباب توجبها.
والثاني : أن يكون المراد المراد التشبيه ؛ فشبه شدة الحمى ولهبها بفوح جهنم ؛ وشبه شدة الحرارة به أيضا . تنبيها للنفوس على شدة عذاب النار، وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها. وهو : ما يصيب من قرب منها : من حرها.
وقوله : "فأبردوها" ؛ روى بوجهين : بقطع الهمزة وفتحها؛ رباعي من "أبرد الشئ" : إذا صيره باردا؛ مثل "أسخنه" : إذا صيره سخنا. والثاني : بهمزة الوصل مضمومة ؛ من "برد الشئ يبرده" . وهو أفصح : لغة واستعمالا. والرباعي لغة رديئة عندهم . قال الحماسي :
إذا وجدت لهيب الحب في كبدي : أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار على الأحشاء تتقد !؟
وقوله : "بالماء" ؛ فيه قولان : أحدهما : أنه كل ماء ، وهو الصحيح.
والثاني : أنه ماء زمزم . واحتج أصحاب هذا القول ، بما رواه البخاري في صحيحه ، عن أبي جمرة نصر بن عرمان الضبعي ؛ قال : "كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال : أبردها عنك بماء زمزم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "إن الحمى من فيح جهنم؛ فأبردوها بالماء"؛ أو قال : "بماء زمزم" .
وراوي هذا قد شك فيه . ولو جزم به : لكان أمرا لأهل مكة : بماء زمزم؛ إذ هو متيسر عندهم ؛ ولغيرهم : بما عندهم من الماء .
ثم اختلف من قال : إنه على عمومه ؛ هل المراد به : الصدقة بالماء ؟ أو استعماله ؟ على قولين . والصحيح : أنه استعماله . وأظن : أن الذي حمل من قال : المراد الصدقة به ؛ أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ؛ ولم يفهم وجهه مع أن لقوله وجها حسنا، وهو : أن الجزاء من جنس العمل. فكما أخمد لهيب العطش عن الظمآن بالماء البارد، أخمد الله لهيب الحمى عنه: جزاء وفاقا . ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به : فاستعماله .
وقد ذكر أبو نعيم وغيره ـ من حديث أنس ، يرفعه ـ : "إذا حم أحدكم : فليرش عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر " (39)
وفي سنن ابن ماجه ـ عن أبي هريرة يرفعه ـ : "الحمى من كير جهنم؛ فنحوها عنكم بالماء البارد "(40)
وفي المسند وغيره ـ من حديث الحسن ، عن سمرة يرفعه ـ : "الحمى قطعة من النار ؛ فابردوها عنكم بالماء البارد " (41)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حم دعا بقربة من ماء فأفرغها على رأسه ، فاغتسل.
وفي السنن من حديث أبي هريرة ، قال : "ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبها رجل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبها(42) ؛ فإنها تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الحديد " (43)
لما كانت الحمى يتبعها حمية عن الأغذية الرديئة ، وتناول الأغذية والأدوية النافعة ، وفي ذلك إعانة على تنقية البدن، ونفي أخباثه وفضوله، وتصفيته من مواده الرديئة ؛ وتفعل فيه كما تفعل النار في الحديد : في نفي خبثه، وتصفية جوهره ـ : كانت أشبه الأشياء بنار الكير التي تصفي جوهر الحديد. وهذا القدر هو المعلوم عند أطباء الأبدان .
وأما تصفيتها القلب من وسخه ودرنه ، وإخراجها خبائثه ـ : فأمر يعلمه أطباء القلوب ، ويجدونه : كما أخبرهم به نبيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن مرض القلب إذا صار مأيوسا(44) عن برئه : لم ينفع فيه هذا العلاج .
فالحمى تنفع البدن والقلب : وما كان بهذه المثابة : فسبه ظلم وعدوان.
وذكرت مرة ـ وأنا محموم ـ قول بعض الشعراء يسبها :
زارت مكفرة الذنوب ، وودعت تبا لها : من زائر ومودع
قالت ـ وقد عزمت على ترحالها ـ : ماذا تريد فقلت : أن لا ترجعي
فقلت : تبا له ؛ إذ سب ما نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبه . ولو قال :
زارت مكفرة الذنوب لصبها أهلا بها : من زائر ، ومودع
قالت وقد عزمت على ترحالها ـ : ماذا تريد ؟ فقلت : أن لا تقلعي
لكان أولى به ، ولأقلعت عنه . فأقلعت عني سريعا .
وقد روى في أثر ـ لا أعرف حاله (45) : "حمى يوم كفارة سنة" وفيه قولان:
أحدهما : أن الحمى تدخل في كل الأعضاء والمفاصل ، وعدتها ثلثمائة وستون مفصلا فتكفر عنه ـ بعدد كل مفصل ـ ذنوب يوم .
والثاني : أنها تؤثر في البدن تأثيرا لا يزول بالكلية إلى سنة ؛ كما قيل في قوله صلى الله عليه وسلم ـ : "من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما" ـ : إن أثر الخمر يبقى في جوف العبد وعروقه وأعضائه ، أربعين يوما . والله أعلم .
قال أبو هريرة : "ما من مرض يصيبني أحب إلى من الحمى : لأنها تدخل في كل عضو مني ، وإن الله سبحانه يعطي كل عضو حظه من الأجر"
وقد روى الترمذي في جامعه ـ من حديث رافع بن خديج ، يرفعه ـ: " إذا أصابت أحدكم الحمى ـ وإنما الحمى قطعة من النار فليطفئها بالماء البارد ، ويستقبل نهرا جاريا ، فليستقبل جرية الماء بعد الفجر ، وقبل طلوع الشمس ، وليقل باسم الله ، اللهم : اشف عبدك ، وصدق رسولك ، وينغمس فيه ثلاث غمسات ، ثلاثة أيام ، فإن برئ وإلا : ففي خمس ؛ فإن لم يبرأ في خمس ؛ فسبع فإنها لا تكاد تجاوز السبع بإذن الله " (46)
قلت : وهو ينفع فعله ـ في فصل الصيف ، في البلاد الحارة ـ على الشرائط التي تقدمت ، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون : لبعده من ملاقاة الشمس ، ووفور القوى في ذلك الوقت : لما أفادها النوم والسكون وبرد الهواء ، فيجتمع قوة القوى وقوة الدواء ـ وهو الماء البارد ـ على حرارة الحمى العرضية ، أو الغب الخالصة ـ أعني : التي لا ورم معها، ولا شئ من الأعراض الرديئة ، والمواد الفاسدة ـ فيطفئها بإذن الله ، لا سيما في أحد الأيام المذكورة في الحديث ، وهي الأيام التي يقع فيها بحران الأمراض الحادة كثيرا ، لا سيما في البلاد المذكورة : لرقة أخلاط سكانها ، وسرعة انفعالهم عن الدواء النافع .
-------------------------------------------
المراجع والهوامش
---------------
1ـ أخرجه البخاري في بدء الخلق (10) وفي الطب : باب : الحمى من فيح جهنم (10/146) ومسلم في كتاب السلام : باب : لكل داء دواء (78،79، 80، 81)، والترمذي في الطب باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء (2079) ، وابن ماجه في الطب باب الحمى من فيح جهنم (3472)، والدارمي في الرقاق (55) ، (في الترجمة) ، والإمام أحمد (1/291، 2/21، 85،13،6/50،91)
2ـ هو عياض بن موسى اليحصبي أبو الفضل عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته ولي قضاء سبتة ومولده فيها، ثم قضاء غرناطة، مات مسموما بمراكش سنة 544هـ
3ـ روى البخاري ومسلم في الصحيحين بسنده عن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الحمى من فور جهنم فأبردوها عنكم بالماء" ، وفي رواية : "إن الحمى فور من جهنم فأبردوها بالماء" صحيح البخاري كتاب دء الخلق (10) ، ومسلم كتاب السلام (82/83) ، والإمام أحمد (4/262) ، والترمذي في الطب (25).
4ـ ذكره الألوسي في تفسيره ج16 ص 122 ، ثم عقب على ذلك بقوله: ولا يخفى خفاء الاستدلال به على المطلوب، وتفسير الوسيط 3/193 والدر المنثور 4/282
5ـ ذكره ابن حجر في فتح الباري (1/175) والألباني في السلسلة الصحيحة (1821) ط المكتب الإسلامي وانظر إتحاف السادة المتقين 9/529 وكنز العمال رقم (6746) والمنذري في الترغيب والترهيب رقم (5051) ، والبزار (765) بإسناد حسن .
6ـ الفالج : استرخاء أحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمي تنسد منه مسالك الروح. فلج ـ كعني ـ فهو مفلوج . ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة 3/516
7ـ اللقوة : داء يصيب الوجه ، يعوج منه الشدق إلى أحد جانبي العنق
8ـ التشنج : تقبض عضلي عنيف غير إرادي
9ـ أخرجه ابن ماجه في الطب باب الحمى (2/1149/ رقم 3469) ، والطبراني في الدعاء (573/2069) ، وابن أبي شيبة في المصنف (3/467) ، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم السائب أو أم المسيب قال : "ما لك ترفرفين ؟ " قالت : الحمى لا بارك الله فيها ، قال : " لا تسبيها ، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد " ( صحيح مسلم بشرح النووي كتاب البر والصلة) باب ثواب المؤمن بما يصيبه (6/16/ 131) .
10ـ الكير : جهاز من جلد أو نحوه يستخدمه الحداد وغيره للنفخ في النار لإشعالها . المعجم الوجيز ص 546
11ـ قال عنه صاحب فيض القدير (3/422) : وأعله ابن طاهر بالحسن بن صالح، وقال : تركه يحيي القطان وابن مهدي ، فقول شارح العامري : إنه صحيح. خطأ صريح. وقال الإمام السخاوي في (المقاصد) (205/حديث421)، أخرجه القضاعي في (مسنده)، من حديث الحسن بن صالح عن الحسن بن عمرو عن إبراهيم النخعي عن الأسود عن عبد الله بن مسعود مرفوعا من حديث بلظف : "وحمى ليلة تكفر سنة مجرمة" وقال الألباني في (ضعيف الجامع 2796) ضعيف جدا
12ـ ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/94 ـ 95) وعزاه إلى الطبراني، وهو عن عبد الرحمن بن المرقع وعبد الرحمن بن المرقع مجهول، وكذا قال عنه الولي العراقي في شرح تقريب الأسانيد (8/188) وفي إسناد الطبراني المحبر بن هارون وفريح بن عبيد ، قال الهيثمي : لم أعرفهما . وذكر الحديث أيضا ابن حجر في الفتح (10/177) ، وابو نعيم في الطب ص 100 متصلا عن غسان بن الربيع عن حماد عن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن أنس ، وغسان بن الربيع الأزدي الموصلي ، ضعيف. انظر الميزان .
13ـ أخرجه ابن ماجه في الجنائز ، باب ما جاء في عيادة المريض (1/463/رقم 1441) وابن السني في ( عمل اليوم والليلة) ص 196 رقم (557) من طريق الحسن بن عرفة ، والنووي في الأذكار (2/165) بقوله : روينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني بإسناد صحيح أو حسن عن ميمون ابن مهران عن عمر بن الخطاب ، ثم ذكر الحديث ، وقال في آخره : لكن ميمون لم يدرك عمر، وتعقبه ابن حجر في النكت الظراف (8/111) بقوله: والسند معلول ، فقد أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والبيهقي كلاهما عن الحسن بن عرفة العبدي، عن كثير بن هشام ، عن عيسى بن إبراهيم ، عن جعفر ، وعيسى ضعيف جدا، وكثير معروف الرواية عن جعفر، لكن أدخل عيسى بينه وبينه في هذا الحديث، وأما تصريحه بالتحديث في رواية جعفر بن مسافر، يحتمل أن يكون الخطأ فيه من جعفر، لأنه يعرف أن كثير بن هشام غير مدلس، فحمل عنعنته على التحديث ، والحديث أخرجه بألفاظ قريبة المنذري في الترغيب والترهيب (4/322) ، والتبريزي في مشكاة المصابيح (1588) . والحديث ضعيف جدا.
14ـ انظر فتح الباري (10/110)
15ـ جالينوس : أحد الأطباء المشهورين من اليونان ، إمام الصناعة هذه ، ومجدد طب أبقراط ، قيل : إنه عاصر المسيح عليه السلام، برع في الطب والفلسفة والرياضيات، وله مؤلفات جليلة في الطب تزيد على الستين . انظر عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 327 ، 328 ومفتاح السيادة 1/326.
16ـ أخرجه الإمام مسلم في كتاب ( البر والصلة ) ، باب ثواب المؤمن بما يصيبه من مرض أو حزن (5/348النووي) ، والطبراني في الدعاء ص 573وابن حبان في صحيحه (4/259) ، والبيهقي في الشعب (7/159) ، وفي السنن الكبرى (3/377).
17ـ الحمية : الإقلال من الطعام وغيره مما يؤذي ويضر
18ـ ذكر السيوطي في الدرر المنتثرة (144) بتقديم وتأخير ، وابن قيم الجوزية في الطب النبوي ص 104 ، وقال عنه : هذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب ، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله غير واحد من أئمة الحديث . اهـ
وذكره العجلوني في كشف الخفاء (1م439) حديث رقم (1169) ، وقال عنه السخاوي في المقاصد الحسنة : لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره ، وذكره الزبيدي في الإتحاف (7/400)
19ـ أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/86) وقال عنه : رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيي بن عبد الله البابلتي ، وهو ضعيف ، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان القسم الثاني (2/280) وقال عنه : إسناده ضعيف ، وذكره صاحب الميزان في ترجمة إبراهيم بن جريج (1/25) وقال عنه : كان طبيبا فجعل لهذا الحديث إسنادا، وذكره صاحب اللآلئ المصنوعة (2/208) وتنزيه الشريعة (2/242) والفوائد المجموعة ص 155 ، والعقيلي في الضعفاء (1/51) في ترجمة إبراهيم ابن جريج وقال : باطل لا أصل له ، وابن الجوزي في الموضوعات (2/482) وقال عنه : ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتهم برفعه إبراهيم بن جريج ، وقال أبو الفتح الأزدي : إبراهيم متروك الحديث لا يحتج به ، وذكره السخاوى في المقاصد الحسنة (388 رقم 1035) وعزاه للطبراني في الأوسط من حديث يحيي بن عبد الله البابلتي، وقال الطبراني : لم يروه عن الزهري إلا زيد عن أبي أنيسة ، تفرد به الرهاوي .
20ـ ناقه : نقه المريض إذا برئ وأفاق ، وكان قريب العهد بالمرض، وقيل : صح، وفيه ضعف . النهاية (5/111) والقاموس المحيط (4/296)
21ـ السلق : بكسر السين : بقلة معروفة يجلو ويحلل ويلين ويسر النفس ونافع للنقرس والمفاصل. القاموس المحيط (2/141).
22ـ أخرجه أبو داود في الطب ، باب الحمية (4/193/3856) ، وابن ماجه في الطب ، باب الحمية (2/1139 رقم 3442) ، والترمذي في الطب، باب ما جاء في الحمية ، رقم (2038) وقال عنه : حسن غريب، والإمام أحمد (6/364) ، وحسنه المنذري في مختصر السنن (5/346) ، والحاكم في المستدرك (4/407) وقال عنه : على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/345).
23ـ الدوالي المعلقة : هي العذق من البسر يعلق، فإذا أرطب أكل ، والبسر: التمر قبل أن يرطب، وذلك إذا لون ولم ينضج، واحدته بسرة (النهاية2/141)
والناقه الذي برأ منه مرضه ، وهو قريب العهد به ، ولم ترجع إليه كمال صحته. والسلق ـ بكس السين ـ بقلة معروفة .
24ـ رواه الطبراني في الكبير (3/179، 180) برقم (3003) ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/285) ثم قال عنه : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم . وذكره أبو نعيم في حلية الأولياء (1/277) ، وابن الجوزي في الطب النبوي ص 223.
25ـ رواه الحاكم في المستدرك (4/207) وسكت عنه ، وقال الذهبي : حسن، وذكره ابن قيم الجوزية في الطب النبوي ص 105.
26ـ رواه ابن ماجه في الطب ، باب الحمية (ح رقم 3443) وقال عنه البوصيري في الزوائد (2/213) إسناده صحيح ورجاله ثقات ، والنسائي (4/180) والإمام أحمد (4/347 ، 5/29)، والطبراني رقم (4118) ، وصاحب المطالب العالية (980) وابن سعد في طبقاته (7/300) .
27ـ ذكره موفق البغدادي في الطب النبوي ص 187 ، وابن الجوزي في الطب النبوي ص 224 .
28ـ هذا القول مأثور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
29ـ ذكره أبو نعيم في الطب النبوي ص 25 ، 26 ، وورد عند الإمام أحمد مرفوعا عن أبي هريرة " سافروا تربحوا وصوموا تصحوا واغزوا تغنموا " وهو عند الطبراني بلفظ : " اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا ، وسافروا تستغنوا" من حديث زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به ، وقال : لم يروه بهذا الإسناد إلا زهير، ومن حديثه رويناه في جزء ابن نجيب بلفظ : "سافروا تربحوا وصوموا تصحوا " وفي موضع آخر منه بلفظ : "اغزوا تغنموا وسافروا تصحوا " وللطبراني والحاكم عن ابن عباس بلفظ : "سافروا تصحوا وتغنموا " المقاصد الحسنة ص 381 ، وكشف الخفاء (1/445) ، ومسند القضاعي (108) ، وقد ورد في البخاري "الصيام جنة" ، كتاب الصوم باب فضل الصوم ، ومسلم في الصيام ، باب فضل الصيام.
30ـ أخرجه ابن ماجه في الأطعمة باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع رقم (3351) والبيهقي في الشعب (5645) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (3161) ، أبو نعيم في حلية الأولياء (1/198) ، والعقيلي في الضعفاء (3/360) ، والألباني في الصحيحة (1/61) .
31ـ أخرجه ابن ماجه في كتاب الأطعمة ، باب من الإسراف أن تأكل كل ما اشتهيت ، رقم (3352) ، وعبد الرزاق في مصنفه رقم (20499) ، والبخاري في التاريخ الكبير(5/252) ، والعجلوني في كشف الخفاء (1/255) ، وابو نعيم في حلية الأولياء (10/113) ، والبخاري في الأدب المفرد رقم (859 ) وغيرهم .
32ـ رواه البيهقي في دلائل النبوة (6/261) وذكره ابن حجر في فتح الباري (10/177) ، والعجلوني في كشف الخفاء ص 366، 367 ، وأبو نعيم في الطب النبوي ( ص 100) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/94، 95) وقال : أخرجه الطبراني عن عبد الرحمن بن المرقع وهو مجهول، وإسناد الطبراني فيه المحبر بن هارون ، وفريح بن عبيد قال الهيثمي : لم أعرفهما .
33ـ رواه الترمذي في الطب ، باب ما جاء ما يطعم المريض (2039) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه في الطب ، باب في الحمية (3442) ، وابن أبي شيبة في المصنف (5/458/ 3) ، وأبو نعيم في الطب النبوي ص 120 ، والهندي في كنز العمال (2871) .
34ـ كل حالات الحميات عند اشتداد الحرارة ، تعالج بالماء بطريقتين :
(1) من الخارج على هيئة مكمدت باردة أو مثلجة ، لغرض تهبيط درجة الحرارة .
(2) تعاطي الماء بالفم بكثرة أثناء الحميات ، يساعد جميع أعضاء الجسم ـ خصوصا الكليتين ـ على النهوض بوظائفها الحيوية للجسم اهـ د.
وأخرج الحديث أيضا : النسائي وابن ماجه ، ومالك ، وأحمد و (الفيح) : سطوع الحر وفوراته . و "من" : بيانية . وعلى ذلك ما سيأتي في الوجه الثاني ـ من شرح المؤلف للحديث ـ : من أن الكلام على التشبيه . اهـ ق .
35ـ ما زال حتى الآن هذا التقسيم هو التقسيم العلمي للحميات التي تنقسم إلى قسمين كبيرين : حمى ذات الفترة القصيرة ، وحمى ذات الفترة الطويلة ، وينفعنا هذا التقسيم في تشخيص وعلاج أي من هذه الأنواع .
36ـ تمثل الحمى تجاوب المريض للعوامل المسببة لارتفاع درجة الحرارة ، مكروبية كانت أو كيميائية أو طبيعية ، مثل التعرض لارتفاع شديد في درجة الحرارة ، والتفاعل الطبيعي بارتفاع درجة حرارة الجسم يدل على سلامة المريض من هذه الناحية ، أما المرضى الذين فقدوا هذه الخاصية فحالتهم تصبح من الخطورة بمكان مثال ذلك المرضى المسنون الذين يتعرضون لمرض الالتهاب الرئوي ولا ترتفع درجة حرارتهم ، مما يدل على ضعف مقاومتهم وبالتالي خطورة حالتهم .
37ـ إن بعض الأمراض المزمنة ـ : مثل مرض الروماتزم المفصلي الزمن ، الذي تتصلب فيه المفاصل ، وتصبح غير قادرة على التحرك ، أو مرض الزهري الزمن في الجهاز العصبي ـ تتحسن كثيرا بارتفاع درجة حرارة الجسم ، أي : في حالات الحميات ، ولذلك من ضمن طرق العلاج الطبي ـ في مثل هذه الحالات ـ : الحمى الصناعية ، أي : خلق حالة حمى في المريض بحقنه بمواد معينة اهـ د
38ـ تتضح قيمة هذه الحكمة في علاج مرض "ضربة الشمس " الناتج من تعرض الجسم المباشر إلى أشعة الشمس في البلاد الشديدة الحرارة ، وتؤدي هذه الحالة إلى خلل مركز التحكم في درجة حرارة الجسم بالمخ حيث تتصاعد درجة حرارة المريض إلى معدلات مرتفعة جدا تضر بأجهزة جسمه المختلفة ثم تودي بحياته إذا لم يتم إسعافه على وجه السرعة ، ويعتمد علاج هذه الحالات أساسا على تخفيض درجة حرارة الجسم بكل السبل المتاحة وأهمها وضعه في الثلج حتى تنخفض درجة حرارته .
39ـ أبو نعيم هو : صاحب كتاب "حلية الأولياء" ، وأخرج الحديث أيضا: النسائي ، والحاكم في صحيحه والضياء [المقدسي] في "المختارة" ـ وشرطه فيها أحسن من شرط الحاكم في صحيحه ـ وأبو يعلي والطبراني في الأوسط ، ورجاله ثقات اهـ ق .
40ـ هذا الحديث لم يخرجه ـ من أصحاب الكتب الستة ـ غير ابن ماجه ، ولم يخرجه مالك، ولا أحمد ، ولا الدارمي ، ولا الحاكم ، ولكن السندي شارحه ( شارح سنن ابن ماجه ) نقل : أنه صحيح ورجاله ثقات و (الكير) هو : كير الحداد ؛ على جعل مثل لجهنم : تشبيها ، أو تخييلا . اهـ ق .
41ـ وأخرجه : الحاكم في صحيحه ، والطبراني في الأوسط، والبزار.اهـ ق
42ـ ما الحمى إلا مظهر من مظاهر تفاعل الجسم مع الأشياء الضارة التي يتعرض لها مثل دخول جراثيم فيه ، والمعركة بين الجسم وبين هذه الجراثيم الغازية تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة ، وما دام الجسم قادرا على محاربة هذه الجراثيم ترتفع درجة حرارة الجسم حتى يقضي عليها ويتماثل للشفاء بعد ذلك فالحمى حينئذ مظهر صحة من هذا الاعتبار .
43ـ وأخرج مسلم عن جابر ، نحوه . اهـ ق .
44ـ أي : ميئوسا من " أيس " مقلوب " يئس " اهـ ق .
45ـ أي : درجته من الصحة . اهـ ق .
46ـ هذا النص المنسوب لرافع بن خديج سهوا ، هو : نص حديث الترمذي عن ثوبان ؛ وقال عقبه : غريب ، لجهالة الرجل الراوي عن ثوبان في سنده ، وأخرجه أحمد عن رجل يقال له : سعيدا ؛ من أهل الشام . أي نكرة تحوطه الجهالة ، أما المروي عن رافع بن خديج ، فهو نص آخر ، وهو : "الحمى من فور جهنم ؛ فأبردوها بالماء " . أخرجه البخاري ، ومسلم والترمذي ، وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي ، وأحمد ، و "فور جهنم " هو : وهجها وشدة حرها ، و "من " في الحديث : بيانية . فيكون الأظهر : أن الكلام على التشبيه ؛ كما سبق في أحد وجهين للمؤلف ، في شرح حديث : "شدة الحر من فيح جهنم " . اهـ ق .
0 التعليقات:
إرسال تعليق