نعمة الأعداء
الكاتب : عبدالله القرشي | القسم : نقد ومراجعات
في الدنيا لا يوجد شرٌ محض، ولكلِّ شرٍّ حكمةٌ وفائدة. حتى العدو المناوئ له بعض الفوائد؛ فإنه من أسباب اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وجمع الشمل، ولمِّ الشَعَث. ومعروف عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستثمر وجود عدوٍّ لها يهددها في أمنها ومستقبلها لتحافظ على اجتماع كلمتها ووحدة ولاياتها الخمسين.وربما اخترعوا لهم عدوّا وبالغوا في قوتِه وعداوتِه طمعا في اجتماع كلمتهم. والوحدةُ واجتماع الكلمة لها أسباب كونية من اتّبعها حصّل فوائدها، وحقق مقاصدها، ولو كان من الكافرين. »كُلًّا نُّمِدُّ هَ?ؤُلَاءِ وَهَ?ؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)« [سورة الإسراء].أما نحن -المسلمين والعرب- فلنا عدوٌ مناوئ، كفيل بجمع كلمتنا ووحدة صفنا؛ فالكيان الصهيوني في عقيدته العدائية، وتاريخه الأسود، وبطشه وغطرسته، عدوٌ لدود يكفي لاجتماع الرفقاء والفرقاء ضده.. لو كانوا يعقلون! وقد كنا على هذا المنهاج سنين عددا. أما اليوم فقد اتسعت الهوة، وعظم الانقسام فيما بيننا، حتى أصبح لانقسامنا طاقةٌ سلبية قوية تلتهم أسباب الاجتماع، وتُحيلُها إلى وقودٍ جديد في النزاع والشقاق! هذا الحال الذي وصلت إليه بعض المجتمعات المسلمة خطير للغاية، وهو التحضير الطبيعي للفتن الداخلية، والحروب الأهلية، وتسلّط الأعداء. وفي الأمثال العربية: عدوُّ عدوي صديقٌ لي. وهي من الحكم الكاشفة لطبيعة النفس البشرية، التي تتعاطف مع عدو عدوها ولو كان في الأصل على خلافٍ ونزاع معها. وهنا نسأل.. هل العدو الصهيوني هو العدو الأساسي في المنطقة، والذي يجعلني أتصادق مع أعدائه ولو كنت على خلافٍ معهم؟ مثال ذلك فتح وحماس، إن كان الصهاينة هم العدو الأكبر، توافق الطرفان ضده على ما بينهما من نزاع. وإن كانت حماس هي العدو الأكبر لفتح، وفتح هي العدو الأكبر لحماس؛ فسيصبح عدوهما الصهيوني صديقًا ويا للأسف!في حالتنا السعودية تكشف مواقعُ التواصل الاجتماعي عيبا خطيرا لا يجوز أن نتغافل عنه حتى يستفحل ويفوت علاجه، فتجد أقلاما تُحمّل المقاومة الفلسطينية المسؤولية في هذا العدوان، وتجد آخرين انشغلوا بهم لتعريتهم ومواجهتهم. وأصبح الخلاف بين الفريقين أكبر من أسباب الاجتماع، وأصبح كل حدث عظيم متعلق بالوطن أو الأمة يتحول إلى وقودٍ جديد في النزاع بين الفريقين. إن هذا الخلاف لن ينتهي مهما حاولنا، ولكن لا يجوز أن ننسى بسببه أعداء الأمة، وأن يمزق وحدتنا، ويفرق شملنا.إن الذين يُحمّلون المقاومة الفلسطينية المسؤولية ينسون أن هذا الكيان ظالم معتدٍ مَرد على اختلاق الأعذار منذ أن زُرِع ظلما وجورا داخل الجسد الإسلامي. وهؤلاء الآخرون المنشغلون بهذه الأطروحات وأصحابها ليتهم يدخرون جهدهم ضد الصهاينة، وأن يستثمروا هذا البلاء في جمع الكلمة، وحشد الهمة على التفوق والإتقان الذي غلبنا به الصهاينة. ربما يرى بعضهم في هذا الجهد مشروعية المجاهدة للمنافقين على حد وصفهم، حسنا.. ولو ثبت النفاق على بعضهم، فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول حفاظا على تماسك المجتمع النبوي، كما في قصة الإفك، ولن يكون مجتمعنا خيرا من المجتمع النبوي، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.إن أساس تخلفنا وهزيمتنا وضعفنا ليس الأعداء من الكفار أو الأعداء من المنافقين، بل هو كما قال الله: »قُلْتُمْ أَنَّى? هَ?ذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)« [سورة آل عمران]. إننا مفرطون من تلقاء أنفسنا في واجبات الإتقان والإحسان والتفوق والعمل، ولذلك لا تكاد ترى عينُك مؤسسة أو مشروعا ولو تجاريا تقر به عينك نجاحا وإتقانا، ولذلك تسلط علينا الأعداء وغلبونا على أرضنا وقضايانا. هذه هي المعركة الحقيقية، وهي التفوق على عدو الأمة، في إدارة خلافاته، وفي العمل والإتقان، وفي الصبر وطول النفس، وهي المعركة التي تستحق جهودنا وأعمالنا وأعمارنا الثمينة.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
نعمة الأعداء,نعمة الأعداء,نعمة الأعداء,نعمة الأعداء
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1kP6lGT
via موقع الاسلام
الكاتب : عبدالله القرشي | القسم : نقد ومراجعات
في الدنيا لا يوجد شرٌ محض، ولكلِّ شرٍّ حكمةٌ وفائدة. حتى العدو المناوئ له بعض الفوائد؛ فإنه من أسباب اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، وجمع الشمل، ولمِّ الشَعَث. ومعروف عن الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستثمر وجود عدوٍّ لها يهددها في أمنها ومستقبلها لتحافظ على اجتماع كلمتها ووحدة ولاياتها الخمسين.وربما اخترعوا لهم عدوّا وبالغوا في قوتِه وعداوتِه طمعا في اجتماع كلمتهم. والوحدةُ واجتماع الكلمة لها أسباب كونية من اتّبعها حصّل فوائدها، وحقق مقاصدها، ولو كان من الكافرين. »كُلًّا نُّمِدُّ هَ?ؤُلَاءِ وَهَ?ؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)« [سورة الإسراء].أما نحن -المسلمين والعرب- فلنا عدوٌ مناوئ، كفيل بجمع كلمتنا ووحدة صفنا؛ فالكيان الصهيوني في عقيدته العدائية، وتاريخه الأسود، وبطشه وغطرسته، عدوٌ لدود يكفي لاجتماع الرفقاء والفرقاء ضده.. لو كانوا يعقلون! وقد كنا على هذا المنهاج سنين عددا. أما اليوم فقد اتسعت الهوة، وعظم الانقسام فيما بيننا، حتى أصبح لانقسامنا طاقةٌ سلبية قوية تلتهم أسباب الاجتماع، وتُحيلُها إلى وقودٍ جديد في النزاع والشقاق! هذا الحال الذي وصلت إليه بعض المجتمعات المسلمة خطير للغاية، وهو التحضير الطبيعي للفتن الداخلية، والحروب الأهلية، وتسلّط الأعداء. وفي الأمثال العربية: عدوُّ عدوي صديقٌ لي. وهي من الحكم الكاشفة لطبيعة النفس البشرية، التي تتعاطف مع عدو عدوها ولو كان في الأصل على خلافٍ ونزاع معها. وهنا نسأل.. هل العدو الصهيوني هو العدو الأساسي في المنطقة، والذي يجعلني أتصادق مع أعدائه ولو كنت على خلافٍ معهم؟ مثال ذلك فتح وحماس، إن كان الصهاينة هم العدو الأكبر، توافق الطرفان ضده على ما بينهما من نزاع. وإن كانت حماس هي العدو الأكبر لفتح، وفتح هي العدو الأكبر لحماس؛ فسيصبح عدوهما الصهيوني صديقًا ويا للأسف!في حالتنا السعودية تكشف مواقعُ التواصل الاجتماعي عيبا خطيرا لا يجوز أن نتغافل عنه حتى يستفحل ويفوت علاجه، فتجد أقلاما تُحمّل المقاومة الفلسطينية المسؤولية في هذا العدوان، وتجد آخرين انشغلوا بهم لتعريتهم ومواجهتهم. وأصبح الخلاف بين الفريقين أكبر من أسباب الاجتماع، وأصبح كل حدث عظيم متعلق بالوطن أو الأمة يتحول إلى وقودٍ جديد في النزاع بين الفريقين. إن هذا الخلاف لن ينتهي مهما حاولنا، ولكن لا يجوز أن ننسى بسببه أعداء الأمة، وأن يمزق وحدتنا، ويفرق شملنا.إن الذين يُحمّلون المقاومة الفلسطينية المسؤولية ينسون أن هذا الكيان ظالم معتدٍ مَرد على اختلاق الأعذار منذ أن زُرِع ظلما وجورا داخل الجسد الإسلامي. وهؤلاء الآخرون المنشغلون بهذه الأطروحات وأصحابها ليتهم يدخرون جهدهم ضد الصهاينة، وأن يستثمروا هذا البلاء في جمع الكلمة، وحشد الهمة على التفوق والإتقان الذي غلبنا به الصهاينة. ربما يرى بعضهم في هذا الجهد مشروعية المجاهدة للمنافقين على حد وصفهم، حسنا.. ولو ثبت النفاق على بعضهم، فقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول حفاظا على تماسك المجتمع النبوي، كما في قصة الإفك، ولن يكون مجتمعنا خيرا من المجتمع النبوي، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.إن أساس تخلفنا وهزيمتنا وضعفنا ليس الأعداء من الكفار أو الأعداء من المنافقين، بل هو كما قال الله: »قُلْتُمْ أَنَّى? هَ?ذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)« [سورة آل عمران]. إننا مفرطون من تلقاء أنفسنا في واجبات الإتقان والإحسان والتفوق والعمل، ولذلك لا تكاد ترى عينُك مؤسسة أو مشروعا ولو تجاريا تقر به عينك نجاحا وإتقانا، ولذلك تسلط علينا الأعداء وغلبونا على أرضنا وقضايانا. هذه هي المعركة الحقيقية، وهي التفوق على عدو الأمة، في إدارة خلافاته، وفي العمل والإتقان، وفي الصبر وطول النفس، وهي المعركة التي تستحق جهودنا وأعمالنا وأعمارنا الثمينة.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
نعمة الأعداء,نعمة الأعداء,نعمة الأعداء,نعمة الأعداء
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1kP6lGT
via موقع الاسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق