# تحريم البوفيه المفتوح
الكاتب : عبد الله بن مرزوق القرشي | القسم : تربية ومجتمع

تحت هذا العنوان اشتغل كثيرٌ من المُغرِّدين في تويتر بعدما نُشرت فتوى قديمة للشيخ صالح الفوزان، وفيها أنه لا يجوز عقد البيع بين الزبون والمطعم الذي يقدم (البوفيه المفتوح).ومثل هذه النقاشات في العادة تتبرَّج فيها عيوبنا ومزايانا، وهي فرصة لرصد طريقة التفكير ومنهج التعامل، حتى نتجاوز أخطاءنا وعيوبنا، ونطور أداءنا في مناقشة الأفكار المختلفة.- القول والقائل:من السهل أن تُلاحظ في هذا (الهاشتاق) كيف يتم الربط بين القول والقائل؛ فترى بعضهم يقبل القول من أجل (قائله)، وبعضهم يتهجم على القائل من أجل (قوله).وهي طريقة في التفكير خاطئة يشترك فيها المتحمس للفتوى والمتحمس ضدها؛ فالقول يُقبَل بالنظر في حجته وبرهانه، بغض النظر عن مصدره وعنوانه.وهكذا القائل ربما يُخطِئ في مقالةٍ فتُرَد مقالتُه مع حفظ قدره ومقامه.كما قال ابن القيم، رحمه الله، وهو يعلق على كلام شيخ الإسلام الهروي: «شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه، وكل ما عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك».فحَفِظ للعلم حقه في التمحيص والمساءلة، وحفِظ للعالِم حقه في الحب والاحترام.- الأشخاص والأفكار:وتُلاحظ في هذا الحوار أن هناك من هو مهموم بالدفاع عن الشيخ أكثر من اهتمامه بالدفاع عن الشريعة وأحكامها، والفتوى ومضمونها.وفي الوقت ذاته تجد من يتعامل مع الفتوى كفرصة سانحة للهجوم على الشيخ.وبهذا ترى نقاشاتنا ما زالت محبوسة في الأشخاص، وأنها حتى الآن لم تَخفِق بجناحيها في آفاق الفكر وبراهينه.وهذه النقاشات المحبوسة في الأشخاص لا تُنتج فكرا ولا حضارة، بل هي طاقة جديدة للتعصب والتحزب، والتنازع والشقاق.وما أكثر النقاشات التي تختلف فيها آراؤنا لكنها جميعا تنتمي إلى نظامٍ معيب في التفكير والتعامل.وللعلم فإن العلماء المعاصرين مختلفون في حكم البوفيه المفتوح، ويبقى لهم حق الاجتهاد والترجيح، غير أن القول بتحريم البوفيه المفتوح يتضمن قضيتين منهجيتين تستحقان التوقف والتأمل، الأولى متعلقة بحجة التحريم (=الغرر)، والثانية متعلقة بالحكم (=التحريم).- الفقيه والخبير:أما الغرر فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم كثير الغرر، والتسامح في يسيره، ويقع الخلاف في بعض المسائل للاختلاف هل هو من كثير الغرر أو من يسيره.ويبقى السؤال: مَن يحدد (الغرر) هل هو كثير أم يسير، وهل المبيع معلوم أم مجهول..هل الذي يحدد ذلك هو الفقيه أم الخبير؟هذه قضية منهجية تكشف حدود التخصص والمرجعية، وشيخُ الإسلام ابن تيمية أجاب عن هذا السؤال، فقال: «وكونُ المبيع معلومًا أو غير معلوم لا يؤخذ عن الفقهاء بخصوصهم، بل يؤخذ عن أهل الخبرة بذلك الشيء، وإنما المأخوذ عنهم ما انفردوا به من معرفة الأحكام بأدلتها».وما يُدرينا لعل الغرر الذي يعتبره بعض الفقهاء كثيرًا هو بسبب قلة الخبرة، أما أهل الخبرة فيُجمعون على أنه غرر يسير لا يؤثر على العقد، ولا يورث غبنا ولا تنازعا.وهنا لا نتحدث عن خصوص هذه المسألة، بل عن المنهجية الصحيحة في التعامل مع مثل هذه المسائل، التي ينبغي أن يشترك فيها أهل الخبرة والتخصص، وألا يستقلَّ الفقيهُ فيها بنظره واجتهاده.والخطأ في الحكم والنتيجة أخف وطأةً من الخطأ في الطريقة والاجتهاد.- هذا حلالٌ وهذا حرام:القضية الثانية المتعلقة بالحكم وهو (التحريم).فإن الحكم على الشيء بأنه محرم في شريعة الله هو قولٌ على الله وإخبارٌ عنه، وهذا المقام مقام مهيب يستحق تهيّبا واحتياطا، كما هو سمت الأئمة السابقين.قال ابن وهب: «سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا، فينبغي هذا، ولا نرى هذا».وفي مثل هذه المسألة يمكن أن نقول إن بيع الغرر حرام، أما البوفيه المفتوح فإن ما يتضمنه من غرر لا يُجزَم بكثرته وتأثيره، وفي مثل ذلك يمتنع الأئمة من إطلاق وصف التحريم حتى لو رجَّحوا منعه.alqurashi.a@makkahnp.comنقلًا عن صحيفة مكة
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1otX220
via موقع الاسلام
الكاتب : عبد الله بن مرزوق القرشي | القسم : تربية ومجتمع
تحت هذا العنوان اشتغل كثيرٌ من المُغرِّدين في تويتر بعدما نُشرت فتوى قديمة للشيخ صالح الفوزان، وفيها أنه لا يجوز عقد البيع بين الزبون والمطعم الذي يقدم (البوفيه المفتوح).ومثل هذه النقاشات في العادة تتبرَّج فيها عيوبنا ومزايانا، وهي فرصة لرصد طريقة التفكير ومنهج التعامل، حتى نتجاوز أخطاءنا وعيوبنا، ونطور أداءنا في مناقشة الأفكار المختلفة.- القول والقائل:من السهل أن تُلاحظ في هذا (الهاشتاق) كيف يتم الربط بين القول والقائل؛ فترى بعضهم يقبل القول من أجل (قائله)، وبعضهم يتهجم على القائل من أجل (قوله).وهي طريقة في التفكير خاطئة يشترك فيها المتحمس للفتوى والمتحمس ضدها؛ فالقول يُقبَل بالنظر في حجته وبرهانه، بغض النظر عن مصدره وعنوانه.وهكذا القائل ربما يُخطِئ في مقالةٍ فتُرَد مقالتُه مع حفظ قدره ومقامه.كما قال ابن القيم، رحمه الله، وهو يعلق على كلام شيخ الإسلام الهروي: «شيخ الإسلام حبيب إلينا، والحق أحب إلينا منه، وكل ما عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك».فحَفِظ للعلم حقه في التمحيص والمساءلة، وحفِظ للعالِم حقه في الحب والاحترام.- الأشخاص والأفكار:وتُلاحظ في هذا الحوار أن هناك من هو مهموم بالدفاع عن الشيخ أكثر من اهتمامه بالدفاع عن الشريعة وأحكامها، والفتوى ومضمونها.وفي الوقت ذاته تجد من يتعامل مع الفتوى كفرصة سانحة للهجوم على الشيخ.وبهذا ترى نقاشاتنا ما زالت محبوسة في الأشخاص، وأنها حتى الآن لم تَخفِق بجناحيها في آفاق الفكر وبراهينه.وهذه النقاشات المحبوسة في الأشخاص لا تُنتج فكرا ولا حضارة، بل هي طاقة جديدة للتعصب والتحزب، والتنازع والشقاق.وما أكثر النقاشات التي تختلف فيها آراؤنا لكنها جميعا تنتمي إلى نظامٍ معيب في التفكير والتعامل.وللعلم فإن العلماء المعاصرين مختلفون في حكم البوفيه المفتوح، ويبقى لهم حق الاجتهاد والترجيح، غير أن القول بتحريم البوفيه المفتوح يتضمن قضيتين منهجيتين تستحقان التوقف والتأمل، الأولى متعلقة بحجة التحريم (=الغرر)، والثانية متعلقة بالحكم (=التحريم).- الفقيه والخبير:أما الغرر فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم كثير الغرر، والتسامح في يسيره، ويقع الخلاف في بعض المسائل للاختلاف هل هو من كثير الغرر أو من يسيره.ويبقى السؤال: مَن يحدد (الغرر) هل هو كثير أم يسير، وهل المبيع معلوم أم مجهول..هل الذي يحدد ذلك هو الفقيه أم الخبير؟هذه قضية منهجية تكشف حدود التخصص والمرجعية، وشيخُ الإسلام ابن تيمية أجاب عن هذا السؤال، فقال: «وكونُ المبيع معلومًا أو غير معلوم لا يؤخذ عن الفقهاء بخصوصهم، بل يؤخذ عن أهل الخبرة بذلك الشيء، وإنما المأخوذ عنهم ما انفردوا به من معرفة الأحكام بأدلتها».وما يُدرينا لعل الغرر الذي يعتبره بعض الفقهاء كثيرًا هو بسبب قلة الخبرة، أما أهل الخبرة فيُجمعون على أنه غرر يسير لا يؤثر على العقد، ولا يورث غبنا ولا تنازعا.وهنا لا نتحدث عن خصوص هذه المسألة، بل عن المنهجية الصحيحة في التعامل مع مثل هذه المسائل، التي ينبغي أن يشترك فيها أهل الخبرة والتخصص، وألا يستقلَّ الفقيهُ فيها بنظره واجتهاده.والخطأ في الحكم والنتيجة أخف وطأةً من الخطأ في الطريقة والاجتهاد.- هذا حلالٌ وهذا حرام:القضية الثانية المتعلقة بالحكم وهو (التحريم).فإن الحكم على الشيء بأنه محرم في شريعة الله هو قولٌ على الله وإخبارٌ عنه، وهذا المقام مقام مهيب يستحق تهيّبا واحتياطا، كما هو سمت الأئمة السابقين.قال ابن وهب: «سمعت مالكا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام، وما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره كذا، ونرى هذا حسنا، فينبغي هذا، ولا نرى هذا».وفي مثل هذه المسألة يمكن أن نقول إن بيع الغرر حرام، أما البوفيه المفتوح فإن ما يتضمنه من غرر لا يُجزَم بكثرته وتأثيره، وفي مثل ذلك يمتنع الأئمة من إطلاق وصف التحريم حتى لو رجَّحوا منعه.alqurashi.a@makkahnp.comنقلًا عن صحيفة مكة
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح,# تحريم البوفيه المفتوح
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1otX220
via موقع الاسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق