التطير والتشاؤم
إن الشيطان له أساليب كثيرة في إدخال الشرك إلى حياة المسلمين ليصرفهم عن التعلق الخالص بالله عز وجل, وليصرفهم كذلك عن الاستمساك بالعقيدة الصافية فيجتهد بكل وسيلة لصرفهم عن التوحيد بأمور يقنعهم بها على أنها لا تخل بدينهم ولا تأثر في معتقدهم , قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف(106) , أي أن كثيرا ممن يدعي الإيمان قد خلط دينه بشرك مع إيمانه بوجود الله وأنه الخالق الرازق المدبر إلا إنه يشرك بالله بصرف شيء من العبادة لغيره , إن كان ذلك العمل هو دعاء أو ذبح أو نذر أو غيره من أعمال , ولذلك كان مشركوا العرب يقولون في تلبيتهم في الحج " لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك " , فلم يستطيعوا أن يتخلصوا من الشرك حتى مع أقرارهم بالربوبية ويقولوا أن هذا الشريك هو ملك لله , فأضافوا الشريك وجعلوه تحت ملك الله ليخلصهم من تبعات الشرك بزعمهم ولم يتخلصوا منه بالكلية , وهذا القول بهذه الصيغة لا يكفي لانتفاء الشرك فهو ما زال باقيا فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " . والشرك عمل باطل فاسد مردود حتى لو أدخلته وأقررت به تحت ملك الله فإن الله لا يقره بكل صوره ولا يقبل عملا بني على شرك , قال تعالى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) الفرقان(2) , وقال تعالى (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) الكهف(26) , والتوحيد الشامل هو حق الله على العباد بأن يخلصوا له في كل شيء ولا يشركوا معه أحدا .
إن التطير هو ربط القدر بشيء تكرهه النفس والاعتقاد أنه يضر بحضوره وهذا نوع من أنواع الشرك فقد جاء في سنن أبي داود بسند صحيح عَنْ زِرِ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلَاثًا ، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ " , وما جاء في الحديث " وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " هذا القول هو لعبدالله بن مسعود راوي الحديث أدرج قوله في الحديث , وكلامه يعني قد يقع منا التطير من غير قصد أي قولا درج عليه لسان الناس ولكن التوكل على الله وعدم الالتفات لتلك الوساوس والمضي فيما أراد هو الذي يثبت المؤمن على العقيدة الصحيحة ويزيل تلك التخوفات , وغالب الذي يحدث من هؤلاء المتطيرين أنهم بمجرد أن رأوا شيء يكرهونه حدث أمامهم فإنهم لا يمضون فيما عزموا عليه من قبل ’ بل يرون أن ما حدث هو نذير شؤم عليهم وتحذير لهم من خطر محدق وهذا هو التطير , فبعضهم يتطير برؤية بعض الطيور في ذلك اليوم مثل الغراب أو البوم فيؤجل سفره خشية أن يصيبه مكروه , فهذا التصرف هو تعليق حصول قدر الشر بمخلوق قد يكون طائرا أو غيره مع اعتقاده أن هذا الطائر له تأثير وسيجلب له النحس والشر على ما سيقدم عليه , وهو في الحقيقة ليس إلا طائر كغيره من الطيور لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بالذي يدور في خلد هذا المتطير , وهذا من تخويف الشيطان للناس ومما يفعله لغرس اعتقاد باطل في مخلوق لا يضر ولا ينفع قال تعالى (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) الفرقان (3) , أي أن جميع المخلوقات وكل ما يعبد من دون الله من آلهة فإنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا فكيف تملكه لغيرها .
ومن سوء معتقد الفراعنة أنهم يتطيرون إذا أصابهم شيء يكرهونه , فكانوا يتطيرون بموسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين وعلقوا ما أصابهم من قدر بموسى وأنه هو الذي جلب الشر عليهم وأنه طالع سوء قال تعالى (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) الأعراف (131) , فالله سبحانه وتعالى يرد عليهم أن طائرهم الذي يعتقدون فيه إنما هو القدر الذي قدره عليهم إن كان خيرا أو شرا وليس لموسى عليه السلام وأصحابه تدبير في ذلك فكله من عند الله , بل الله هو الذي يملك تدبير عباده فيصرفهم كيفما شاء وينزل عليهم ما شاء من قدره قال تعالى (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) النمل(47) , فأوضح الله للمتطيرين منهم أن الذي تسمونه طائرا إنما هو قدر محكم من عند الله ولم يكتبه الله على العباد إلا من أجل أن يفتنهم ويختبرهم وهو لا محالة واقع بهم , وكل إنسان جعل الله له قدر مخصوص به قد قسم له نصيب من الخير والشر في هذه الحياة الدنيا ولا بد أن يصيبه قال تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ) الإسراء (13) , ثم نتائج ذلك الاختبار والفتنة الذي تسمونه طائر سيجده يوم القيامة في كتاب منشور قد رصدت فيه سيئاته وحسناته.
وكان قوم صالح عليه السلام يشابهون الأقوام الأخرى في تعليق ما يصيبهم من بلاء بالأنبياء والصالحين وأن ما أصابهم من شر إلا بسبب دعوتهم إلى التوحيد , قال تعالى (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19) يس , وهكذا هو ديدن كل أمة يبعث لها نبي فيكون رد قومهم بالتشاؤم والتطير من هذه الدعوة وأنها نذير شؤم عليهم , والحقيقة أن ما يقع على الناس لا علاقة له بما يأتي به الأنبياء بل دعوتهم هي دعوة إصلاح وخير للبشرية ونجاة لهم وعتق من النار فكيف تكون دعوتهم شؤم وطائر نحس كما يزعمون , وهذه حجة كل مستكبر فإذا أراد أن يفر من الاستجابة لنداء الله ودعوة الحق بحث عن مهرب وقال ما أصبنا من بلاء هو بسبب ما جئتم به فلذلك لن نقبل هذه الدعوة نخشى أن تجلب لنا الشرور .
والاعتقاد بالتطير كانت منتشرة بكثرة في عهد الجاهلية وأكثرها حضورا وبروزا يقع على ثلاث أوجه أو يكثر في ثلاث حالات فتكون في الفرس والمرأة والبيت فقد جاء في سنن أبي داود بسند صحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " لَا هَامَةَ وَلَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَإِنْ تَكُنْ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ " . والمقصود من ذلك أن أكثر تطير الناس في تلك الأمور الثلاثة ,أي أنهم في السابق إذا رأوا الفرس لا تطاوع الفارس أو بطيئة في حركتها جعلوا تلك العلة شؤما عليها وكرهوا ركوبها والجهاد عليها ونفروا منها والاهتمام بها , أو إذا تكرر السقوط من على ظهرها أعادوا ذلك الأمر إلى أنها فرس مشئومة وهذا ظلم للفرس فقد تكون غير مدربة أو طبعها غلب عليها فهي ما زالت تنفر من الركوب ولكن لا يصلح أن توصف بالشؤم أي أنها جالبة للشر , وكذلك المرأة إذا تزوجت حديثا ودخلت على أهل بيت فإن أهل هذا البيت يوقتون كل ما يصيبهم من بلاء أنه جاء بعد مقدمها عليهم وأن هذه المرأة وراء كل نحس أصابهم وهي مشئومة جلبت لهم الشر , وإذا كثرت المنازعات بينهم وربما هي موجودة من قبل علقوا تلك المشاكل على هذه المسكينة أنها جلبتها إليهم , والحقيقة أن الذي أصابهم هو قدر مكتوب عليهم سابق في القدر من قبل أن يتزوج أبنهم تلك الفتاة ولا دخل لها لما أصابهم ولكنه التطير والجهل , وكذلك الدار فإذا سكنوا بيتا جديدا ثم مات عليهم فيه ميت تشاءموا من تلك الدار وقالوا منذ سكنا في هذا البيت مات لنا ميت وضاعت لنا بقرة وأحترق لنا أثاث وسرق لنا مال وكل هذا حصل بعد سكننا في هذه الدار فلا بد أنها دار شئوم يجب أن نتحول عنها , فربطوا تلك الأحداث التي وقعت بنزولهم في ذلك المنزل فكأنه هو المسبب لهم والمقدر لهم فوقعوا في الشرك .
يجب على المسلم أن يتنبه لكل قول وكل فعل يفعله فلا يربط الأحداث التي وقعت برابط التطير والتشاؤم فهذا رابط شيطاني خطير على معتقد المسلم , بل يجب أن يعتقد أن مرد الأقدار من خير وشر إلى الله وعليه أن يقول قدر الله وما شاء فعل , فلا شيء من مخلوقات الله لها تأثير على رد شيء من قدر الله ولا جلبه إليه , بل الله هو المدبر لهذا الكون في كل شؤونه الصغيرة و الكبيرة قال تعالى ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) يونس (61), وقال تعالى فيما يقدره على الناس (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)الحديد , وقال تعالى في أية أخرى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التغابن(11) , فإذا صحح المسلم معتقده وأيقن أن كل ما يصيبه من خير أو شر هو من عند الله أزداد ثقة بربه وسلم من تلاعب الشيطان به ومن تخويفه مما يراه حوله من غربان أو بوم أو أي حيوان أخر بل عليه أن يتوكل على ربه ويقول كما أمر الله تعالى (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة (51) , فإذا عزم على أمر وعمل بالأسباب ومضى لما يريد ولم يلتفت لوساوس الشيطان كان من المؤمنين الصالحين ورضي عنه ربه وأخسأ شيطانه وكان من المتوكلين على الله , أسأل الله أن يجعلنا من المتقين المتوكلين وأن يبصرنا بديننا ... والحمد لله رب العالمين .
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1hCFjkw
via موقع الاسلام
التطير والتشاؤم
إن الشيطان له أساليب كثيرة في إدخال الشرك إلى حياة المسلمين ليصرفهم عن التعلق الخالص بالله عز وجل, وليصرفهم كذلك عن الاستمساك بالعقيدة الصافية فيجتهد بكل وسيلة لصرفهم عن التوحيد بأمور يقنعهم بها على أنها لا تخل بدينهم ولا تأثر في معتقدهم , قال تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف(106) , أي أن كثيرا ممن يدعي الإيمان قد خلط دينه بشرك مع إيمانه بوجود الله وأنه الخالق الرازق المدبر إلا إنه يشرك بالله بصرف شيء من العبادة لغيره , إن كان ذلك العمل هو دعاء أو ذبح أو نذر أو غيره من أعمال , ولذلك كان مشركوا العرب يقولون في تلبيتهم في الحج " لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك " , فلم يستطيعوا أن يتخلصوا من الشرك حتى مع أقرارهم بالربوبية ويقولوا أن هذا الشريك هو ملك لله , فأضافوا الشريك وجعلوه تحت ملك الله ليخلصهم من تبعات الشرك بزعمهم ولم يتخلصوا منه بالكلية , وهذا القول بهذه الصيغة لا يكفي لانتفاء الشرك فهو ما زال باقيا فقد جاء في صحيح مسلم عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " . والشرك عمل باطل فاسد مردود حتى لو أدخلته وأقررت به تحت ملك الله فإن الله لا يقره بكل صوره ولا يقبل عملا بني على شرك , قال تعالى (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) الفرقان(2) , وقال تعالى (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) الكهف(26) , والتوحيد الشامل هو حق الله على العباد بأن يخلصوا له في كل شيء ولا يشركوا معه أحدا .
إن التطير هو ربط القدر بشيء تكرهه النفس والاعتقاد أنه يضر بحضوره وهذا نوع من أنواع الشرك فقد جاء في سنن أبي داود بسند صحيح عَنْ زِرِ بْنِ حُبَيْشٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ثَلَاثًا ، وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ " , وما جاء في الحديث " وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " هذا القول هو لعبدالله بن مسعود راوي الحديث أدرج قوله في الحديث , وكلامه يعني قد يقع منا التطير من غير قصد أي قولا درج عليه لسان الناس ولكن التوكل على الله وعدم الالتفات لتلك الوساوس والمضي فيما أراد هو الذي يثبت المؤمن على العقيدة الصحيحة ويزيل تلك التخوفات , وغالب الذي يحدث من هؤلاء المتطيرين أنهم بمجرد أن رأوا شيء يكرهونه حدث أمامهم فإنهم لا يمضون فيما عزموا عليه من قبل ’ بل يرون أن ما حدث هو نذير شؤم عليهم وتحذير لهم من خطر محدق وهذا هو التطير , فبعضهم يتطير برؤية بعض الطيور في ذلك اليوم مثل الغراب أو البوم فيؤجل سفره خشية أن يصيبه مكروه , فهذا التصرف هو تعليق حصول قدر الشر بمخلوق قد يكون طائرا أو غيره مع اعتقاده أن هذا الطائر له تأثير وسيجلب له النحس والشر على ما سيقدم عليه , وهو في الحقيقة ليس إلا طائر كغيره من الطيور لا يضر ولا ينفع ولا يعلم بالذي يدور في خلد هذا المتطير , وهذا من تخويف الشيطان للناس ومما يفعله لغرس اعتقاد باطل في مخلوق لا يضر ولا ينفع قال تعالى (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) الفرقان (3) , أي أن جميع المخلوقات وكل ما يعبد من دون الله من آلهة فإنها لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا فكيف تملكه لغيرها .
ومن سوء معتقد الفراعنة أنهم يتطيرون إذا أصابهم شيء يكرهونه , فكانوا يتطيرون بموسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين وعلقوا ما أصابهم من قدر بموسى وأنه هو الذي جلب الشر عليهم وأنه طالع سوء قال تعالى (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) الأعراف (131) , فالله سبحانه وتعالى يرد عليهم أن طائرهم الذي يعتقدون فيه إنما هو القدر الذي قدره عليهم إن كان خيرا أو شرا وليس لموسى عليه السلام وأصحابه تدبير في ذلك فكله من عند الله , بل الله هو الذي يملك تدبير عباده فيصرفهم كيفما شاء وينزل عليهم ما شاء من قدره قال تعالى (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) النمل(47) , فأوضح الله للمتطيرين منهم أن الذي تسمونه طائرا إنما هو قدر محكم من عند الله ولم يكتبه الله على العباد إلا من أجل أن يفتنهم ويختبرهم وهو لا محالة واقع بهم , وكل إنسان جعل الله له قدر مخصوص به قد قسم له نصيب من الخير والشر في هذه الحياة الدنيا ولا بد أن يصيبه قال تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا ) الإسراء (13) , ثم نتائج ذلك الاختبار والفتنة الذي تسمونه طائر سيجده يوم القيامة في كتاب منشور قد رصدت فيه سيئاته وحسناته.
وكان قوم صالح عليه السلام يشابهون الأقوام الأخرى في تعليق ما يصيبهم من بلاء بالأنبياء والصالحين وأن ما أصابهم من شر إلا بسبب دعوتهم إلى التوحيد , قال تعالى (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19) يس , وهكذا هو ديدن كل أمة يبعث لها نبي فيكون رد قومهم بالتشاؤم والتطير من هذه الدعوة وأنها نذير شؤم عليهم , والحقيقة أن ما يقع على الناس لا علاقة له بما يأتي به الأنبياء بل دعوتهم هي دعوة إصلاح وخير للبشرية ونجاة لهم وعتق من النار فكيف تكون دعوتهم شؤم وطائر نحس كما يزعمون , وهذه حجة كل مستكبر فإذا أراد أن يفر من الاستجابة لنداء الله ودعوة الحق بحث عن مهرب وقال ما أصبنا من بلاء هو بسبب ما جئتم به فلذلك لن نقبل هذه الدعوة نخشى أن تجلب لنا الشرور .
والاعتقاد بالتطير كانت منتشرة بكثرة في عهد الجاهلية وأكثرها حضورا وبروزا يقع على ثلاث أوجه أو يكثر في ثلاث حالات فتكون في الفرس والمرأة والبيت فقد جاء في سنن أبي داود بسند صحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : " لَا هَامَةَ وَلَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَإِنْ تَكُنْ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ " . والمقصود من ذلك أن أكثر تطير الناس في تلك الأمور الثلاثة ,أي أنهم في السابق إذا رأوا الفرس لا تطاوع الفارس أو بطيئة في حركتها جعلوا تلك العلة شؤما عليها وكرهوا ركوبها والجهاد عليها ونفروا منها والاهتمام بها , أو إذا تكرر السقوط من على ظهرها أعادوا ذلك الأمر إلى أنها فرس مشئومة وهذا ظلم للفرس فقد تكون غير مدربة أو طبعها غلب عليها فهي ما زالت تنفر من الركوب ولكن لا يصلح أن توصف بالشؤم أي أنها جالبة للشر , وكذلك المرأة إذا تزوجت حديثا ودخلت على أهل بيت فإن أهل هذا البيت يوقتون كل ما يصيبهم من بلاء أنه جاء بعد مقدمها عليهم وأن هذه المرأة وراء كل نحس أصابهم وهي مشئومة جلبت لهم الشر , وإذا كثرت المنازعات بينهم وربما هي موجودة من قبل علقوا تلك المشاكل على هذه المسكينة أنها جلبتها إليهم , والحقيقة أن الذي أصابهم هو قدر مكتوب عليهم سابق في القدر من قبل أن يتزوج أبنهم تلك الفتاة ولا دخل لها لما أصابهم ولكنه التطير والجهل , وكذلك الدار فإذا سكنوا بيتا جديدا ثم مات عليهم فيه ميت تشاءموا من تلك الدار وقالوا منذ سكنا في هذا البيت مات لنا ميت وضاعت لنا بقرة وأحترق لنا أثاث وسرق لنا مال وكل هذا حصل بعد سكننا في هذه الدار فلا بد أنها دار شئوم يجب أن نتحول عنها , فربطوا تلك الأحداث التي وقعت بنزولهم في ذلك المنزل فكأنه هو المسبب لهم والمقدر لهم فوقعوا في الشرك .
يجب على المسلم أن يتنبه لكل قول وكل فعل يفعله فلا يربط الأحداث التي وقعت برابط التطير والتشاؤم فهذا رابط شيطاني خطير على معتقد المسلم , بل يجب أن يعتقد أن مرد الأقدار من خير وشر إلى الله وعليه أن يقول قدر الله وما شاء فعل , فلا شيء من مخلوقات الله لها تأثير على رد شيء من قدر الله ولا جلبه إليه , بل الله هو المدبر لهذا الكون في كل شؤونه الصغيرة و الكبيرة قال تعالى ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) يونس (61), وقال تعالى فيما يقدره على الناس (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)الحديد , وقال تعالى في أية أخرى (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التغابن(11) , فإذا صحح المسلم معتقده وأيقن أن كل ما يصيبه من خير أو شر هو من عند الله أزداد ثقة بربه وسلم من تلاعب الشيطان به ومن تخويفه مما يراه حوله من غربان أو بوم أو أي حيوان أخر بل عليه أن يتوكل على ربه ويقول كما أمر الله تعالى (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة (51) , فإذا عزم على أمر وعمل بالأسباب ومضى لما يريد ولم يلتفت لوساوس الشيطان كان من المؤمنين الصالحين ورضي عنه ربه وأخسأ شيطانه وكان من المتوكلين على الله , أسأل الله أن يجعلنا من المتقين المتوكلين وأن يبصرنا بديننا ... والحمد لله رب العالمين .
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم,التطير والتشاؤم
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1hCFjkw
via موقع الاسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق