فضائل شهر شعبان
خص النبي هذا الشهر العظيم شهر شعبان بأمور لم يخص بها أي شهر آخر من الشهور فقد كان كما تقول السيدة عائشة{ما رأيت رسول الله ٱستكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان }[1] ولما رأوا منه ذلك الحال أرادوا أن يعرفوا السبب فأرسلوا أسامة بن زيد حب رسول الله ليسأله فقال { يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذٰلك شهر يغفل الناس عنه بـــــين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم][2]فهو ترفع فيه الأعمال ولنا وقفة قصيرة مع هذه الفضيلة هل أعمالنا التي نعملها لا ترفع إلا في شهر شعبان؟ لا . أعمالنا يراها الله في نفس اللحظة التي نعمل فيها العمل لأنه يطلع علينا ويشهد أعمالنا ويرى حركاتنا وسكناتنا لكنه وهو الحكم العدل أبى أن يقيم لنا قضية في المحكمة الإلهية إلا إذا شهد عليها شهود وقد كلف بي وبك رقباء كرماء يقول فيهم {كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}ولم يقل يكتبون بل قال يعلمون علما مسبقا ما سيعمله الإنسان وكثير منا سمع من البعض أن هؤلاء الكرام الذي عن اليمين يسمى (رقيب) والذي عن اليسار يسمى (عتيد) ولا أعلم من أين جاءوا بهذه التسمية إن كان من كلام الله فالله يقول واسمعوا واعوا {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
رقيب واحد هو الله وهذا الرقيب عتيد يعني متين في مراقبته فلو كان يقصد الحفظة لقال رقيب وعتيد لكن عتيد صفة لكلمة رقيب فهو رقيب يعلم خفيات السرائر وما بين حنايا الضلوع ونيات القلوب وهو عتيد وشديد ومتين ومحيط في مراقبته أما الذين معنا فقال فيهم نبيكم {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}[3] وليس اثنان فقط فقد عدهم بعض العلماء إلى عشرين ملكا يحيطون بكل رجل منا منهم الحفظة كتبة الأعمال عن اليمين وعن الشمال وهم أربعة اثنان منهم معك من الفجر إلى العصر واثنان من العصر إلى طلوع الفجر ثم هناك من يمشي أمامك وهناك من يمشي خلفك وهناك من يحفظك وأنت نائم فيحفظ عينيك حتى لا تدخل حشرة تؤذيهما وأنت نائم ويحفظ أذنيك وفمك حتى لا يدخل فيهما شئ مؤذي وأنت نائم ولا تملك لنفسك أمرا ولا نفعا ولا ضرا وهناك الموكل بأرزاقك وهناك الموكل بأنفاسك وهناك الموكل بارتفاع وصعود أعمالك وهناك الموكل بإلهامك يلهمك الخير ويحضك عليه عشرون ملكا يعملون مع كل إنسان وظفهم لهم ومن أجلهم الرحمن فإذا انتهت حياتك وأتموا المهمة صعدوا إلى الله وقالوا يا ربنا كلفتنا بالعمل مع فلان وقد قبضتة إليك فيقول الله لهم كما روى النبي الكريم {إن الله تعالى وكل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قال الملكان اللذان وكلا به: قد مات فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني فيقولان: أفنقيم في الأرض ؟ فيقول الله: أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني فيقولان: فأين ؟ فيقول: قوما على قبر عبدي فسبحاني واحمداني وكبراني وهللاني واكتبا ذٰلك لعبدي إلى يوم القيامة}[4]
فيعملون لك وأنت في عالم الأموات بأمر الحي الذي لا يموت هؤلاء الحفظة الذين يقول فيهم الله {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} عندما تعمل العمل يكتبه صاحب اليمين إذا كان العمل خيرا يثبته في الحال قبل أن ترجع عنه أو تندم على فعله لأنهم كما قال الله كرام لا يتمنون لك الأخطاء ولا الذنوب والأوزار بل يتمنون لك الخير والطيب والعمل الصالح وكرام لأنهم يتنزهون عن أماكن الفجور والأماكن التي أوجب الله عليك الستر فيها وبها فإذا دخلت إلى الخلاء لم يدخلاه معك وإذا نمت مع زوجتك ذهبوا بعيدا عنك حتى لا يطلعوا على عوراتك وإذا ذهبت إلى مكان قبيح دعوا الله لك أن يهديك ويرجعك عن هذا الغي وعن هذا القبيح ثم يسجلان العمل بالصوت والصورة والكلمات كتصوير الفيديو لا بل يزيد على ذلك بتكنولوجيا التصوير الرباني يزيد على ذلك لأن صورة الفيديو لا تظهر حركات القلوب وإنما تظهر حركات الجوارح فقط لكن الصورة التي يلتقطونها بأمر الله معها نواياك ومعها طواياك ومعها خفاياك لأن الله يقول في هذه الصورة يوم الدين {يوم تبلى السرائر } تبلى يعني تظهر السرائر التي في القلوب {فما له من قوة ولا ناصر} هل هذا وفقط ؟ لا ولكن عندما يصورون ويلتقطون لك العمل يحولونه إلى جهات شتى وكل جهة لها صورة على هيئة معينة صورة ترفع في الحال إلى عرش الله أنت تصلي الآن تخرج صورة الصلاة التي صليتها على هيئة ملكوتية تتكلم وتسمع وتبصر وتسبح الله وتكبر الله وتحمل صورتك وهيئتك حتى تعرج بها في عالم الملكوت فإذا خرجت هذه الصورة وكانت الصلاة تقية نقية فتحت لها أبواب السماء
وكل رجل منا له بابان في السماء باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه من الله فتفتح لها أبواب السماء وتخرج كما قال سيد الأنبياء {إذا توضأ العبد فأحسن الوضوء ثم قام إلىٰ الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتني ثم أصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور وفتحت لها أبواب السماء}[5] ثم تمشي سماءا تلو سماء حتى تصل إلى مستقر عرش الله ماذا تفعل هناك؟ تدور حول العرش وتطوف حوله تردد ما قلته بين يدي الله في الصلاة من ذكر وتسبيح وتلاوة للقرآن وتظل على ذلك إلى يوم القيامة ويكتب لك ذلك كله بأمر الله أين نجد ذلك؟ اسمعوا رسولكم الكريم وهو يقول {إن الذين تذكرون من جلال الله وتسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن أفلا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الرحمن شيء يذكر به }[6] كل صلاة صليتها تظل تصلى لك حول العرش إلى يوم القيامة فإذا كانت على الهيئة الأخرى أي { لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه }[7] هذه صورة.
صورة ثانية تتحول إلى جنة النعيم بحسب تخصيص حضرة القدير لأن الجنة أعطاها لنا الله وجعلها كأرض ولكل واحد منا فيها نصيب معلوم غير أن بناء الأرض وتشكيلها وزرعها وبساتينها وحورها يترجم من عملك الصالح الذي ترسله إلى هناك فالذي يريد أن يبنى له قصر في الجنة ماذا يفعل؟ عليه أن يبني لله مسجدا أو يشارك في بناء مسجد فقد قال النبي {من بنىٰ مسجدا لله كمفحص قطاة- يعني عش طائر - أو أصغر بنىٰ الله له قصرا في الجنة من در وياقوت}[8] والذي لا يستطيع يشارك في بناء المسجد وله هذا الأجر والذي لا يستطيع يصلي عشر ركعات فقد قال الحبيب {من ركع عشر ركعات فيما بين المغرب والعشاء بني له قصر في الجنة }[9] والذي يريد الحور يدفع الثمن يدفع المهر ما مهرهن؟ قال فيهن النبي {إخراج القمامة من المساجد مهور الحور العين }[10] أي الذي يساعد على نظافة المساجد ولو بالمكنسة الكهربائية أو ولو أن يتصل بهيئة من الهيئات الاستشارية تأتي لتنظفه من الحشرات وتنظفه من الأوبئة وترشه رشا جيدا ليكون صالحا للمسلمين والمسلمات أما أشجار الجنة وحدائقها فكيفية زراعتها يقول فيها رسول الله {غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله }[11] كيف ذلك يا رسول الله؟ سألوه هذا السؤال فقال { من قال: سبحان الله وبحمده غرس له بها ألف شجرة في الجنة أصلها من ذهب وفرعها در وطلعها كثدي الأبكار ألين من الزبد وأحلىٰ من الشهد كلما أخذ منه شيء عاد كما كان}[12]
ونخل الجنة وزرعها عندما رآه المختار في ليلة الإسراء والمعراج ليس كزرعنا ولكنه يؤتى ثماره في كل لحظة وتجنيه الملائكة في كل لحظة وكلما حصدوا عاد كما كان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وكل هذا الخير يجعل لك في صحيفتك حتى أنه يقول {ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله }[13] وورد { إذا مر رضوان على ملائكة الجنة فوجدهم قعودا يسألهم لم لا تعملون؟ فيقولون حتى يأتينا الزاد} والزاد هو الذي يقول فيه الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} فهم يعملون في بناء القصور للذاكرين الله كثيرا والذاكرات ولكن إذا كان عملا سيئا والعياذ بالله حول إلى النار وجعل منه عذاب صاحبه فيها فقد ضرب النبي المختار مثلا لذلك فقال { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلى {ولا يحسبن الذين يبخلون}[14] فالقبور ليس فيها حيات ولكن الأعمال هي التي تتحول ويقول لمن امتنع عن أداء زكاته واسمعوا { ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره – وفى رواية : كلـما بردت أعيدت له - حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار}[15]
ويقال لهم كما قال الله {هـذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}إذا العذاب الذي في الجحيم هو العمل الذي تعمله ويتحول لك في صورة عمل يلدغك أو يعاقبك أو يؤذيك في نار جهنم والعياذ بالله ومنه صورة تتوجه إلى عالم البرزخ وهذه الصورة تأتي إليك عندما تكون وحيدا بعد أن ينفض عنك أهلك فإذا كان عملك صالحا أتاك{رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول:أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي}وإذا كان من العمل الآخر { يأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة }[16] فكما قلت وكما وضحت الملائكة الكرام يسجلون عملنا ثم ينسخون منه صورا هذا ما قال فيه الله {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} نسخة تذهب إلى الله ونسخة إلى سيدنا ومولانا رسول الله لأنه المدافع الأعظم لجميع المؤمنين ولابد أن يطلع على ملفات الجميع حتى يدافع عنا كما قال{ تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم}[17]ونسخة تذهب إلى العرش وتطوف حوله كما قلت ونسخه مع الكرام الكاتبين ونسخة تبقى في الأرض في الموضع الذي عملت فيه العمل حتى إذا كان يوم{إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها} ونسخة أخرى تظل مع جوارحك وإن كنا لا نراها إلا أن الله وعالم الغيب يراها وستشهد عليك بذلك يوم الدين {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} نسخ كثيرة للأعمال ومن فضل الله علينا أنه جعل أوقاتا لعرض هذه الأعمال كل الذي ذكرناه في رفع الأعمال
وهناك فرق بين الرفع والعرض لقد قال النبي{ تعرض الاعمال على الله يوم إلاثنين ويوم الجمعة}[18]وقال في الحديث الذي ذكرناه(ذاك شهر تعرض فيه الأعمال على الله) هناك عرض في ليلة الاثنين وهناك عرض في ليلة الجمعة وهناك عرض في شعبان ما معنى تعرض؟ الكرام الكاتبون يرجعون إلى الله مرة أخرى يستشفعون لي ولك ويقدمون عملي وعملك إلى الله وهم يطلبون من الله أن يعفو عني وعنك عن السيئات والقبائح وأن يزيد الله لي ولك في الخيرات والصالحات والطيبات فكأن الله يعطينا الفرصة تلو الفرصة ليمحو ما فات من الذنوب والمعاصي والسيئات وليزيد الخيرات والبركات إذا شكرنا الله على أن وفقنا فيها للطاعات ولذا كان سلفنا الصالح يتحرون هذه الليالي ليلة الاثنين وليلة الجمعة ويقطعونها في طاعة الله وفي ذكر الله وفي الاستغفار لله لأنهم يعلمون أن الملف يعرض في تلك الآونة على الله فيرجون من الله في هذا العرض أن يمحو الذنوب وأن يستر العيوب
[1] في الصحيحين عن عائشة.
[2] عن أسامه بن زيد رواه النسائى و الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة كذلك يمكن الرجوع إلى الحديث فى كتاب فتح البارى بشرح صحيح البخارى
[3] عن أبو هريرة أخرجه البخارى ورواه ابن حبان والنسائي (متفق عليه).
[4] رواه الديلمي وابن الجوزي عن أنس رضي الله عنه.
[5[ للعقيلى والطبراني فى الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
[6] رواه الطبراني في الأوسط عن حديث أبي الدرداء وغيره.
[7] الترغيب والترهيب، الطبرانى فى الأوسط عن أبى هريرة
[8] عن ابن عباس رواه أحمد والبزار.
[9] ابن نصر عن عبد الكريم بن الحارث
[10] عن أبي قرصافة رواه الطبراني في الكبير.
[11] عن ابن مسعود، رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن
[12] الحاكم فى التاريخ والديلمي عن أنس رضي الله عنه، جامع المسانيد والمراسيل
[13] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى هريرة
[14] رواه البخاري
[15] رواه أحمد وأبي داوود
[16] جامع المسانيد والمراسيل عن البراء بن عازب
[17] رواه البزار.
[18] أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة عن أسامة ولا تعارض مع حديث "تعرض الأعمال يوم الأثنين والخميس" لأن فيه ليلة الجمعة وهى تنسب ليوم الجمعة.
خص النبي هذا الشهر العظيم شهر شعبان بأمور لم يخص بها أي شهر آخر من الشهور فقد كان كما تقول السيدة عائشة{ما رأيت رسول الله ٱستكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان }[1] ولما رأوا منه ذلك الحال أرادوا أن يعرفوا السبب فأرسلوا أسامة بن زيد حب رسول الله ليسأله فقال { يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذٰلك شهر يغفل الناس عنه بـــــين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم][2]فهو ترفع فيه الأعمال ولنا وقفة قصيرة مع هذه الفضيلة هل أعمالنا التي نعملها لا ترفع إلا في شهر شعبان؟ لا . أعمالنا يراها الله في نفس اللحظة التي نعمل فيها العمل لأنه يطلع علينا ويشهد أعمالنا ويرى حركاتنا وسكناتنا لكنه وهو الحكم العدل أبى أن يقيم لنا قضية في المحكمة الإلهية إلا إذا شهد عليها شهود وقد كلف بي وبك رقباء كرماء يقول فيهم {كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون}ولم يقل يكتبون بل قال يعلمون علما مسبقا ما سيعمله الإنسان وكثير منا سمع من البعض أن هؤلاء الكرام الذي عن اليمين يسمى (رقيب) والذي عن اليسار يسمى (عتيد) ولا أعلم من أين جاءوا بهذه التسمية إن كان من كلام الله فالله يقول واسمعوا واعوا {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}
رقيب واحد هو الله وهذا الرقيب عتيد يعني متين في مراقبته فلو كان يقصد الحفظة لقال رقيب وعتيد لكن عتيد صفة لكلمة رقيب فهو رقيب يعلم خفيات السرائر وما بين حنايا الضلوع ونيات القلوب وهو عتيد وشديد ومتين ومحيط في مراقبته أما الذين معنا فقال فيهم نبيكم {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}[3] وليس اثنان فقط فقد عدهم بعض العلماء إلى عشرين ملكا يحيطون بكل رجل منا منهم الحفظة كتبة الأعمال عن اليمين وعن الشمال وهم أربعة اثنان منهم معك من الفجر إلى العصر واثنان من العصر إلى طلوع الفجر ثم هناك من يمشي أمامك وهناك من يمشي خلفك وهناك من يحفظك وأنت نائم فيحفظ عينيك حتى لا تدخل حشرة تؤذيهما وأنت نائم ويحفظ أذنيك وفمك حتى لا يدخل فيهما شئ مؤذي وأنت نائم ولا تملك لنفسك أمرا ولا نفعا ولا ضرا وهناك الموكل بأرزاقك وهناك الموكل بأنفاسك وهناك الموكل بارتفاع وصعود أعمالك وهناك الموكل بإلهامك يلهمك الخير ويحضك عليه عشرون ملكا يعملون مع كل إنسان وظفهم لهم ومن أجلهم الرحمن فإذا انتهت حياتك وأتموا المهمة صعدوا إلى الله وقالوا يا ربنا كلفتنا بالعمل مع فلان وقد قبضتة إليك فيقول الله لهم كما روى النبي الكريم {إن الله تعالى وكل بعبده المؤمن ملكين يكتبان عمله فإذا مات قال الملكان اللذان وكلا به: قد مات فأذن لنا أن نصعد إلى السماء فيقول الله : سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني فيقولان: أفنقيم في الأرض ؟ فيقول الله: أرضي مملوءة من خلقي يسبحوني فيقولان: فأين ؟ فيقول: قوما على قبر عبدي فسبحاني واحمداني وكبراني وهللاني واكتبا ذٰلك لعبدي إلى يوم القيامة}[4]
فيعملون لك وأنت في عالم الأموات بأمر الحي الذي لا يموت هؤلاء الحفظة الذين يقول فيهم الله {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} عندما تعمل العمل يكتبه صاحب اليمين إذا كان العمل خيرا يثبته في الحال قبل أن ترجع عنه أو تندم على فعله لأنهم كما قال الله كرام لا يتمنون لك الأخطاء ولا الذنوب والأوزار بل يتمنون لك الخير والطيب والعمل الصالح وكرام لأنهم يتنزهون عن أماكن الفجور والأماكن التي أوجب الله عليك الستر فيها وبها فإذا دخلت إلى الخلاء لم يدخلاه معك وإذا نمت مع زوجتك ذهبوا بعيدا عنك حتى لا يطلعوا على عوراتك وإذا ذهبت إلى مكان قبيح دعوا الله لك أن يهديك ويرجعك عن هذا الغي وعن هذا القبيح ثم يسجلان العمل بالصوت والصورة والكلمات كتصوير الفيديو لا بل يزيد على ذلك بتكنولوجيا التصوير الرباني يزيد على ذلك لأن صورة الفيديو لا تظهر حركات القلوب وإنما تظهر حركات الجوارح فقط لكن الصورة التي يلتقطونها بأمر الله معها نواياك ومعها طواياك ومعها خفاياك لأن الله يقول في هذه الصورة يوم الدين {يوم تبلى السرائر } تبلى يعني تظهر السرائر التي في القلوب {فما له من قوة ولا ناصر} هل هذا وفقط ؟ لا ولكن عندما يصورون ويلتقطون لك العمل يحولونه إلى جهات شتى وكل جهة لها صورة على هيئة معينة صورة ترفع في الحال إلى عرش الله أنت تصلي الآن تخرج صورة الصلاة التي صليتها على هيئة ملكوتية تتكلم وتسمع وتبصر وتسبح الله وتكبر الله وتحمل صورتك وهيئتك حتى تعرج بها في عالم الملكوت فإذا خرجت هذه الصورة وكانت الصلاة تقية نقية فتحت لها أبواب السماء
وكل رجل منا له بابان في السماء باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه من الله فتفتح لها أبواب السماء وتخرج كما قال سيد الأنبياء {إذا توضأ العبد فأحسن الوضوء ثم قام إلىٰ الصلاة فأتم ركوعها وسجودها والقراءة فيها قالت حفظك الله كما حفظتني ثم أصعد بها إلى السماء ولها ضوء ونور وفتحت لها أبواب السماء}[5] ثم تمشي سماءا تلو سماء حتى تصل إلى مستقر عرش الله ماذا تفعل هناك؟ تدور حول العرش وتطوف حوله تردد ما قلته بين يدي الله في الصلاة من ذكر وتسبيح وتلاوة للقرآن وتظل على ذلك إلى يوم القيامة ويكتب لك ذلك كله بأمر الله أين نجد ذلك؟ اسمعوا رسولكم الكريم وهو يقول {إن الذين تذكرون من جلال الله وتسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل يذكرن بصاحبهن أفلا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الرحمن شيء يذكر به }[6] كل صلاة صليتها تظل تصلى لك حول العرش إلى يوم القيامة فإذا كانت على الهيئة الأخرى أي { لغير وقتها ولم يسبغ لها وضوءها ولم يتم لها خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه }[7] هذه صورة.
صورة ثانية تتحول إلى جنة النعيم بحسب تخصيص حضرة القدير لأن الجنة أعطاها لنا الله وجعلها كأرض ولكل واحد منا فيها نصيب معلوم غير أن بناء الأرض وتشكيلها وزرعها وبساتينها وحورها يترجم من عملك الصالح الذي ترسله إلى هناك فالذي يريد أن يبنى له قصر في الجنة ماذا يفعل؟ عليه أن يبني لله مسجدا أو يشارك في بناء مسجد فقد قال النبي {من بنىٰ مسجدا لله كمفحص قطاة- يعني عش طائر - أو أصغر بنىٰ الله له قصرا في الجنة من در وياقوت}[8] والذي لا يستطيع يشارك في بناء المسجد وله هذا الأجر والذي لا يستطيع يصلي عشر ركعات فقد قال الحبيب {من ركع عشر ركعات فيما بين المغرب والعشاء بني له قصر في الجنة }[9] والذي يريد الحور يدفع الثمن يدفع المهر ما مهرهن؟ قال فيهن النبي {إخراج القمامة من المساجد مهور الحور العين }[10] أي الذي يساعد على نظافة المساجد ولو بالمكنسة الكهربائية أو ولو أن يتصل بهيئة من الهيئات الاستشارية تأتي لتنظفه من الحشرات وتنظفه من الأوبئة وترشه رشا جيدا ليكون صالحا للمسلمين والمسلمات أما أشجار الجنة وحدائقها فكيفية زراعتها يقول فيها رسول الله {غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله }[11] كيف ذلك يا رسول الله؟ سألوه هذا السؤال فقال { من قال: سبحان الله وبحمده غرس له بها ألف شجرة في الجنة أصلها من ذهب وفرعها در وطلعها كثدي الأبكار ألين من الزبد وأحلىٰ من الشهد كلما أخذ منه شيء عاد كما كان}[12]
ونخل الجنة وزرعها عندما رآه المختار في ليلة الإسراء والمعراج ليس كزرعنا ولكنه يؤتى ثماره في كل لحظة وتجنيه الملائكة في كل لحظة وكلما حصدوا عاد كما كان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وكل هذا الخير يجعل لك في صحيفتك حتى أنه يقول {ما تصدق أحد بصدقة من طيب ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله }[13] وورد { إذا مر رضوان على ملائكة الجنة فوجدهم قعودا يسألهم لم لا تعملون؟ فيقولون حتى يأتينا الزاد} والزاد هو الذي يقول فيه الله {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} فهم يعملون في بناء القصور للذاكرين الله كثيرا والذاكرات ولكن إذا كان عملا سيئا والعياذ بالله حول إلى النار وجعل منه عذاب صاحبه فيها فقد ضرب النبي المختار مثلا لذلك فقال { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلى {ولا يحسبن الذين يبخلون}[14] فالقبور ليس فيها حيات ولكن الأعمال هي التي تتحول ويقول لمن امتنع عن أداء زكاته واسمعوا { ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعله الله يوم القيامة يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره – وفى رواية : كلـما بردت أعيدت له - حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما النار وما من صاحب غنم لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار وما صاحب إبل لا يؤدي حقها إلا جاءت يوم القيامة أوفر ما كانت فيبطح لها بقاع قرقر فتطؤه بأخفافها كلما مضت أخراها ردت عليه أولاها حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار}[15]
ويقال لهم كما قال الله {هـذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}إذا العذاب الذي في الجحيم هو العمل الذي تعمله ويتحول لك في صورة عمل يلدغك أو يعاقبك أو يؤذيك في نار جهنم والعياذ بالله ومنه صورة تتوجه إلى عالم البرزخ وهذه الصورة تأتي إليك عندما تكون وحيدا بعد أن ينفض عنك أهلك فإذا كان عملك صالحا أتاك{رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول:أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي}وإذا كان من العمل الآخر { يأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة }[16] فكما قلت وكما وضحت الملائكة الكرام يسجلون عملنا ثم ينسخون منه صورا هذا ما قال فيه الله {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} نسخة تذهب إلى الله ونسخة إلى سيدنا ومولانا رسول الله لأنه المدافع الأعظم لجميع المؤمنين ولابد أن يطلع على ملفات الجميع حتى يدافع عنا كما قال{ تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم}[17]ونسخة تذهب إلى العرش وتطوف حوله كما قلت ونسخه مع الكرام الكاتبين ونسخة تبقى في الأرض في الموضع الذي عملت فيه العمل حتى إذا كان يوم{إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها} ونسخة أخرى تظل مع جوارحك وإن كنا لا نراها إلا أن الله وعالم الغيب يراها وستشهد عليك بذلك يوم الدين {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} نسخ كثيرة للأعمال ومن فضل الله علينا أنه جعل أوقاتا لعرض هذه الأعمال كل الذي ذكرناه في رفع الأعمال
وهناك فرق بين الرفع والعرض لقد قال النبي{ تعرض الاعمال على الله يوم إلاثنين ويوم الجمعة}[18]وقال في الحديث الذي ذكرناه(ذاك شهر تعرض فيه الأعمال على الله) هناك عرض في ليلة الاثنين وهناك عرض في ليلة الجمعة وهناك عرض في شعبان ما معنى تعرض؟ الكرام الكاتبون يرجعون إلى الله مرة أخرى يستشفعون لي ولك ويقدمون عملي وعملك إلى الله وهم يطلبون من الله أن يعفو عني وعنك عن السيئات والقبائح وأن يزيد الله لي ولك في الخيرات والصالحات والطيبات فكأن الله يعطينا الفرصة تلو الفرصة ليمحو ما فات من الذنوب والمعاصي والسيئات وليزيد الخيرات والبركات إذا شكرنا الله على أن وفقنا فيها للطاعات ولذا كان سلفنا الصالح يتحرون هذه الليالي ليلة الاثنين وليلة الجمعة ويقطعونها في طاعة الله وفي ذكر الله وفي الاستغفار لله لأنهم يعلمون أن الملف يعرض في تلك الآونة على الله فيرجون من الله في هذا العرض أن يمحو الذنوب وأن يستر العيوب
[1] في الصحيحين عن عائشة.
[2] عن أسامه بن زيد رواه النسائى و الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن خزيمة كذلك يمكن الرجوع إلى الحديث فى كتاب فتح البارى بشرح صحيح البخارى
[3] عن أبو هريرة أخرجه البخارى ورواه ابن حبان والنسائي (متفق عليه).
[4] رواه الديلمي وابن الجوزي عن أنس رضي الله عنه.
[5[ للعقيلى والطبراني فى الكبير عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
[6] رواه الطبراني في الأوسط عن حديث أبي الدرداء وغيره.
[7] الترغيب والترهيب، الطبرانى فى الأوسط عن أبى هريرة
[8] عن ابن عباس رواه أحمد والبزار.
[9] ابن نصر عن عبد الكريم بن الحارث
[10] عن أبي قرصافة رواه الطبراني في الكبير.
[11] عن ابن مسعود، رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن
[12] الحاكم فى التاريخ والديلمي عن أنس رضي الله عنه، جامع المسانيد والمراسيل
[13] جامع المسانيد والمراسيل عن أبى هريرة
[14] رواه البخاري
[15] رواه أحمد وأبي داوود
[16] جامع المسانيد والمراسيل عن البراء بن عازب
[17] رواه البزار.
[18] أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة عن أسامة ولا تعارض مع حديث "تعرض الأعمال يوم الأثنين والخميس" لأن فيه ليلة الجمعة وهى تنسب ليوم الجمعة.