وظائف شركات البترول
الرئيسية » » الطب النبوي المرض

الطب النبوي المرض

Written By Unknown on الثلاثاء، 5 مارس 2013 | 11:30 م


 الطب النبوي   المرض


أنواع المرض
        المرض نوعان : مرض القلوب، ومرض الأبدان (1). وهما مذكوران في القرآن .
ومرض القلوب نوعان : مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي. وكلاهما في القرآن ؛ قال تعالى في مرض الشبهة : { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا}؛ وقال تعالى : { وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا}؛ وقال تعالى في حق من دعى إلى تحكيم القرآن والسنة، فأبى وأعرض : { وإذا دعوا إلى الله ورسوله* ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون* وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون } . فهذا مرض الشبهات والشكوك .
وأما مرض الشهوات ، فقال تعالى : { يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } . فهذا مرض شهوة الزنا. والله أعلم .
(فصل) : وأما مرض الأبدان، فقال تعالى : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } . وذكر مرض البدن في الحج والصوم والوضوء، لسر بديع: يبين لك عظمة القرآن، والاستغناء به لمن فهمه وعقله، عن سواه.
وذلك : أن قواعد طب الأبدان ثلاثة : حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة . فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة، في هذه المواضع الثلاثة ؛ فقال في آية الصوم : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}؛ فأباح الصوم في السفر: لاجتماع شدة الحركة، وما يوجبه: من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل؛ فتخور القوة وتضعف. فأباح للمسافر الفطر : حفظا لصحته وقوته عما يضعفها.
وقال في آية الحج : { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه* ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } (2) ؛ فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه ـ ؛ من قمل ، أو حكة، أو غيرهما ـ أن يحلق رأسه (3) في الإحرام : استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه، باحتقانها تحت الشعر. فإذا حلق رأسه ففتحت المسام، فخرجت تلك الأبخرة منها ـ : فهذا الاستفراغ؛ يقاس عليه كل استفراغ يؤذي انحباسه .
والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشر : الدم إذا هاج، والمنى إذا تتابع، والبول، والغائط، والريح، والقئ، والعطاس، والنوم، والجوع، والعطش(4)،وكل واحد ـ من هذه العشرة ـ يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه. وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها ـ وهو البخار المحتقن في الرأس ـ على استفراغ ما هو أصعب منه ؛ كما هي طريقة القرآن ؛ التنبيه بالأدنى على الأعلى .
وأما الحمية، فقال تعالى في آية الوضوء : { وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا}؛ فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب (5) : حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه . وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له من داخل أو خارج .
فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب الثلاثة ، ومجامع قواعده.
ونحن نذكر هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي.
فأما طب القلوب، فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم (6). فإن صلاح القلوب : أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه وصفاته، وأفعاله وأحكامه؛ وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه. ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك؛ ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل. وما يظن ـ : من حصول صحة القلب بدون اتباعهم . ـ فغلط ممن يظن ذلك . وإنما ذلك : حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها. وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل. ومن لم يميز بين هذا وهذا : فليبك على حياة قلبه : فإنه من الأموات ؛ وعلى نوره : فإنه منغمس في بحار الظلمات .
(فصل) وأما طب الأبدان، فإنه نوعان : نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه وبهيمه؛ فهذا لا يحتاج فيه إلى معالجة طبيب : كطب الجوع والعطش والبر والتعب، بأضدادها وما يزيلها.
والثاني ما يحتاج إلى فكر وتأمل: كدفع الأمراض المتشابهة الحادثة في المزاج، بحيث يخرج بها عن الاعتدال : إما إلى حرارة ، أو برودة، أو يبوسة، أو رطوبة أو ما يتركب من اثنتين منها. وهي نوعان إما مادية، وإما كيفية، أعني : إما أن يكون بانصباب مادة، أو بحدوث كيفية. والفرق بينهما : أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال المواد التي أوجبتها، فتزول موادها، ويبقى أثرها كيفية في المزاج. وأمراض المادة أسبابها معها تمدها. وإذا كان سبب المرض معه : فالنظر في السبب ينبغي أن يقع أولا، ثم في المرض ثانيا، ثم في الدواء ثالثا (7).
أو الأمراض الآلية ؛ وهي : التي تخرج العضو عن هيئته : إما في شكل ، أو تجويف، أو مجرى، أو خشونة، أو ملامسة، أو عدد، أو عظم، أو وضع. فإن هذه الأعضاء إذا تألفت ، وكان منها البدن ـ سمى تألفها : اتصالا والخروج عن الاعتدال فيه يسمى تفرق الاتصال.
أو الأمراض العامة : التي تعم المتشابهة والآلية .
والأمراض المتشابهة هي التي يخرج بها المزاج عن الاعتدال؛ وهذا الخروج يسمى مرضا : بعد أن يضر بالفعل إضرارا محسوسا. وهي على ثمانية أضرب : أربعة بسيطة، وأربعة مركبة. والبسيطة : البارد، والحار، والرطب، واليابس. والمركبة : الحار الرطب، والحار اليابس، والبارد الرطب، والبارد اليابس. وهي إما أن تكون بانصباب مادة، أو بغير انصباب مادة.
وإن لم يضر المرض بالفعل، يسمى خروجا عن الاعتدال صحة.
وللبدن ثلاثة أحوال : حال طبيعية، وحال خارجة عن الطبيعة، وحال متوسطة بين الأمرين .فالأولى بها يكون البدن صحيحا، والثانية يكون بها مريضا، والحالة الثالثة هي متوسطة بين الحالتين؛ فإن الضد لا ينتقل إلى ضده إلا بمتوسط(8).
وسبب خروج البدن عن طبيعته : إما من داخله، لأنه مركب من الحار والبارد، والرطب واليابس. وإما من خارج : فلأن ما يلقاه قد يكون موافقا، وقد يكون غير موافق.
والضرر الذي يلحق الإنسان قد يكون من سوء المزاج : بخروجه عن الاعتدال؛ وقد يكون من فساد العضو وقد يكون من ضعف في القوى أو الأرواح الحاملة لها. ويرجع ذلك إلى زيادة ما الاعتدال في عدم زيادته، أو نقصان ما الاعتدال في عدم نقصانه، أو تفرق ما الاعتدال في اتصاله أو اتصال ما الاعتدال في تفرقه، أو امتداد ما الاعتدال في انقباضه؛ أو خروج ذي وضع وشكل عن وضعه وشكله : بحيث يخرجه عن اعتداله.
فالطبيب هو الذي يفرق ما يضر بالإنسان جمعه، أو يجمع فيه ما يضره تفرقه، أو ينقص منه ما يضره زيادته، أو يزيد فيه ما يضره نقصه. فيجلب الصحة المفقودة، أو يحفظها بالشكل والشبه؛ ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض ويخرجها، أو يدفعها بما يمنع من حصولها بالحمية. وسترى هذا كله في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شافيا كافيا، بحول الله وقوته، وفضله ومعونته.

المراجع والهوامش
ـ
إن هذا التقسيم فيه من الحكمة الإلهية والإعجاز الكثير، ما لم يتوصل إليه الأطباء إلا حديثا : في منتصف القرن الثامن عشر. فقد قسمت الأمراض عموما إلى قسمين :
[1] الأمراض العضوية وهي : الأمراض التي تنتج من عدم أداء أي جزء من أجزاء الجسم وظيفته كاملا، أو توقفه عن العمل بالكلية. أو تنتج من دخول ميكروبات مختلفة الأنواع إلى الجسم، وتصيب أي عضو فيه بالتلف. وينتج عن ذلك أعراض المرض. وكل مرض عضوي له أعراض وتاريخ ومواصفات ومضاعفات خاصة به : بحيث يمكن التفرقة بين الأمراض العضوية ، وتشخيص كل منها.
وهذا هو المقصود بمرض الأبدان، كما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم .
وأمثال هذه الأمراض هي : الشلل ، الحميات، الدرن، الصفراء، إلخ.
[2] الأمراض النفسية : وهي ـ في الحقيقة ـ أعراض أمراض متنوعة وكثيرة جدا، يشعر بها المريض. وبالكشف عليه بواسطة الطبيب، مع الاستعانة بجميع الأبحاث اللازمة ـ مثل الأشعة والتحاليل المختلفة إلخ ـ يوجد المريض في حالة طبيعية، أي : عدم وجود مرض عضوي بالجسم.
وهذه الأعراض تنتج عن مؤثرات خارجية في الحياة العامة. مثل : الخوف، الشك، الغرام، عدم الاكتفاء الجنسي. كثرة الإجهاد، إلخ
وهذا هو مرض القلوب، كما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمة تقسيمه إلى أمراض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي؛ ففيه كل الحكمة حسب النظريات الحديثة في علم النفس . اهـ د
حكمة القرآن في الإشارة إلى الطب الوقائي.
من المعروف علميا أن حلق الرأس عند التجمعات الكبيرة كتجمع الناس عند الحج أو في الحروب من أهم مبادئ الطب الوقائي؛ وذلك منعا لانتشار الحشرات وأهمها قمل الشعر الذي ينقل أمراضا وبائية مثل مرض التيفوس.
وهكذا تتجلى حكمة هذه الآية وفائدتها في مجال الطب الوقائي الذي يجب أن نوليه كل الاهتمام منعا لانتشار الأمراض في صورة وبائية.
تعتمد صحة الجسم على سلامة أداء وظائف أعضائه، فإذا تعثرت هذه الأعضاء في أداء وظائفها بكفاءة أدت هذه الحالة إلى أمراض خطيرة إن لم تكن قاتلة وجميع العاملين في الحقل الطبي يولون ذلك عناية كبيرة، ويحاولون جهدهم بالحفاظ على وظائف أعضاء الجسم بحالة طبيعية أثناء علاجهم لمرضاهم. والدليل على ذلك أن من يحتبس بوله مثلا تنتهي حياته بتسمم بولي يسمى ارتفاع بولينا الدم ومن يحتبس الريح أو الغائط في بطنه تنتهي حياته أيضا بالموت نتيجة للاضطراب الشديد الذي يحدث لكيان الجسم الداخلي المكون من خلايا وماء وأملاح معدنية. وهكذا تصور هذه الحكمة وإشارتها للعشرة أشياء المذكورة أساس الحفاظ على صحة الأشخاص وأساس علاج المرض على أسس علمية سليمة.
تتجلى حكمة هذه الآية في بعض الأمراض الجلدية الناشئة من عدوى فطرية التي تنمو تشتد حدتها إذا كان الجلد مبللا بالماء ورطبا، بينما تخبو حدتها إذا منعنا الماء عن الجلد المصاب. وينصح الأطباء المرضى بهذه الأمراض الجلدية الفطرية أن يحتجبوا عن الماء حتى تمام شفائهم.
إن الإيمان بالله وبرسله، والعقيدة الراسخة ـ لمن أهم علاج حالات مرض القلوب، أي : المرض النفسي اهـ د.
تمثل هذه الحكمة أصول العلاج الحديث على أسس علمية أصدق تمثيل وخاصة أنه في بعض المراحل كان الأطباء يهتمون بعلاج أعراض المرض مثل الصداع والحمى وغير ذلك إلا أن هذه الحكمة تشير إلى أهمية تقصي أسباب المرض أولا ومحاولة استئصالها ثم الالتفات بعد ذلك إلى الأعراض قبل كتابة الدواء. وهذا هو قمة الأسلوب العلمي الحديث في علاج الأمراض . فمن يعالج مريضا بالحمى عن طريق إعطائه عقاقير تخفض الحرارة دون أن يدرك سبب هذه الحمى ومحاولة علاجه لن يستفيد مريضه على الإطلاق.
كذا بالأصل. وفي الزاد : " لمتوسط". وكلاهما صحيح تقسيم أحوال البدن من ناحية المرض إلى ثلاثة أحوال كما ذكر يتفق تماما مع الأسلوب الحديث في تقسيم الأمراض. ويهتم الأطباء الآن بمعرفة العوارض الأولى للأمراض والتي تعتري المريض حتى قبل أن يتخذ المرض صورته العادية. ولذلك أهمية كبرى في سرعة تشخيص الأمراض قبل استفحالها، حيث يكون العلاج أسهل وأكفأ، وحتى لا تزداد خطورة الأمراض من حيث آثارها على الأنسجة وكذلك من الناحية الوقائية إذا كانت هذه الأمراض معدية وفي حاجة إلى عزل المرضى بها .

من كتاب الطب النبوى لابن القيم

شارك هذاه المقالة :
 
شركائنا : قانون | وظائف ذهبية | softpedia download
copyright © 2013. موقع الاسلام (رسالة الحق والسلام) - بعض الحقوق محفوظة
القالب من تصميم Creating Website و تعريب وظائف ذهبية
بكل فخر نستعمل Blogger