الطب النبوى

يتواجد في العالم حوالي 1259 جنس من العقارب مجتمعة في 16 عائلة و155 نوع، لكن السامة القاتلة عبارة عن 8 أنواع منقسمة إلى 25 جنس من عائلة واحدة هي "Buthidae" تستعمل العقارب السم لشل حركة فريستها أو للدفاع عن نفسها، لكنها في الوقت نفسه تهدد حياة الإنسان الذي يعيش في نفس بيئتها، بحيث تلجأ بعض العقارب للتجمعات السكانية بحثا عن الغذاء والرطوبة. وللعقارب مقاومة كبيرة للظروف المناخية، كما أنها تتأقلم بسرعة مما يسمح لها التواجد على كل القارات،  لكن أغلبها يتمركز في المناطق الجافة والصحراوية.
تعتبر الصحراء الجزائرية بيئة مناسبة لعدة أنواع من العقارب منها: (Androctonus australis)، (Leiurus quinquestriatus)، وهي تنتشر وتتكاثر خاصة في فترة الحر الذي يمكن أن يمتد من شهر ماي إلى سبتمبر، ويكون نشاطها بالليل، وهي هاجس حقيقي لسكان هذه المناطق الذين يحاربون تواجد هذا الكائن الخطير بشتى الطرق. أهمّها تنظيف البيئة من النفايات والحجارة والحصى بالقرب من السكنات، غلق الشقوق المتواجدة بالجدران حتى لا تلجأ العقارب إليها، استعمال الطريقة البيولوجية بواسطة آكلات طبيعية للعقارب كالدجاج والقنافذ. كما أنّ عمليات جمع العقارب سواء كانت حية أو ميتة تعتبر طريقة فعالة لتقليص أعدادها، ولقد جاء في الحديث الشريف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب)، لكنه نهى عن قتل الحية البيضاء لأنّها من الجن.
الطرق التقليدية لمعالجة التسمم العقربي:
إن تمكنت العقرب من شخص ولدغته خصوصا في المناطق النائية، فإنّ الأهالي يستعملون طرقا شعبية للإسعافات الأولية، قد تكون ناجعة وقد تخفق في حالات عديدة. فيحاول أن يمص بالفم مكان لدغة السم ثم يبصق عدة مرات مع تجنب دخول السم عن طريق الفم، ثم يعمد لربط العضو المصاب بقطعة قماش، وهناك من يستعمل ما يسمى بالحجرة السوداء التي تمتص السم حيث يقال أنهّا مفيدة بشرط وضعها في الحليب وعصرها ثم وضعها على الجرح، أمّا استعمال شفرة الحلاقة لشرط مكان اللدغة فينصح بعدم اللجوء إليه لأنّها تزيد من إدخال السم في الجسم، وهناك من يستعمل الغاز والجافيل ومبيد الحشرات... هذا في بلدنا. 
أمّا في بعض البلدان العربية فيستعمل البنزين أو زيت الفرامل وينقع الجزء الملسوع فيه، وضع مغناطيس على مكان اللسعة، وضع تمرة أو قطعة من عجلة العربة، وضع العملة المعدنية على مكان اللسعة، وعليه يوضع قليل من الحلاوة الطحينية ثم يلف بقطعة من قماش على الكل، وفي الغد يصبح لون الريال الفضي أخضر ويسلم المصاب، البعض يقتل العقرب ثم يشق بطنها ويضعها على مكان اللسعة، يأكل الملسوع ما يستطيع من حبات البصل أو الليمون بقشرته، استخدام معدة خروف صغير يذبح في الحال ويُدخل الجزء الملسوع في المعدة مع ملاحظة عدم تنظيف المعدة مما فيها، لكن هذه الطريقة أدت إلى وفاة الشخص الملسوع بعد ذبح خروفين!! وهناك العديد من الخزعبلات التي تستعمل في الطب الشعبي في شتى بلدان العالم.
إنّ الحل الطبي الأمثل والعلاج المستعمل ضد التسمم العقربي هو المصل المضاد للسم العقربي الذي يختص بكل نوع من العقارب، فهناك العديد من العقارب المختلفة ولكل منها مصل خاص.
ولكن هل هناك علاج آخر؟ وما العمل إن نفد المصل، أو كان المصاب يسكن في مكان نائي، أو كان المصل المتوفر لا يختص بالنوع العقربي؟
الهدي النبوي في معالجة التسمم العقربي:
إنّ الحل دائما موجود في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في السنة المطهرة: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، إذ سجد فلدغته عقرب في إصبعه، فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعله فقتلها... فلما انصرف قال: (لعن الله العقرب ما تدع نبياً ولا غيره)، (ثم دعا بإناء فيه ماء وملح، فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح)، ويقرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين حتى سكنت. وفي رواية أخرى: (دعا بملح وماء، فجعله في إناء، ثم جعل يصبه على إصبعه حيث لدغته ويمسحها، ويعوذها بالمعوذتين).
إن الهدي النبوي في علاج سم العقرب ينقسم إلى قسمين: 
- قسم روحاني بقراءة قل هو الله أحد والمعوذتين، لأنّ القرآن شفاء للمؤمنين، قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الإسراء: ٨٢ ، وقال أيضا: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) فصلت: ٤٤
- وقسم مادي طبيعي يُستعمل فيه الملح والماء، فالملح معروف منذ القديم أنه مفيد ضد السموم وله قوة جاذبة محللة للسموم، كما أن الماء يبرد نار اللسعة.
ولكن كيف يعمل الملح والماء على إبطال مفعول السم العقربي؟
التركيب الكيميائي لسم العقرب:
يتكون سم العقارب (المتواجد في غدة خاصة من الجسم) من مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية، وهو يختلف من عقرب إلى آخر، ويحتوي حوالي 200 إلى 500 نوع من الببتيدات  التي هي عبارة عن بروتينات صغيرة.
وحسب المختصين فإن خطورة السم تعود إلى صغر حجم هذه الببتيدات القاعدية التي تستطيع الاندساس في غشاء الخلايا، وتتصف بأنها مدمرة للأعصاب (Neurotoxiques)، متخصصة بالقنوات أو المضخات الأيونية، بحيث تعطلها عن وظيفة نقل السيالة العصبية وبالتالي يكون شلل الأعضاء أو القلب أو الرئتين. كما يحتوي السم كذلك على: متعددات السكريات (Mucopolysaccharides)، أنزيمات (Hyaluronidase, Phospholipase)، ومركبات أخرى قاعدية (Sérotonine, Histamine).
الخواص الطبيعية للماء والملح:
يعتبر الماء من أهم المذيبات المتواجدة في الطبيعة (solvant universel)، كما أنه الوسط الذي تتم فيه كل التفاعلات الحيوية. وهو سائل بسيط التكوين الكيميائي ذو خصائص كيميائية، فيزيائية وحيوية كثيرة، إلى حد القول أنه "إعجاز" حسب العالم الياباني "ماسارو إيموتو "Masaru Emoto.
إنّ للماء خاصية إذابة الأملاح، كملح الطعام (NaCl)، لأنّ له قوة كهربائية كبيرة تمكنه من فصل الأيونات ذات الشحنات المتعاكسة، كما أنه يستطيع إذابة بعض المركبات العضوية كالبروتينات والببتيدات (التي هي أقل حجما) لاحتوائها على مجموعات كيميائية مستقطبة مانحة ومستقبلة للروابط الهيدروجينية.
ولملح الطعام (NaCl) خاصية مهمة وهي إذابة البروتينات (Solubilisation) أو ما يعرف بـ: (Salting-in) إذا كان تركيز الملح قليلا وبالتالي القوى الأيونية ضعيفة، أما إذا زاد تركيز الملح تزيد القوى الأيونية فيحدث ترسيب للبروتينات (Précipitation) أو ما يعرف بـ: (Salting-out). ولكل بروتين تراكيز خاصة للذوبان أو الترسب تميزه عن غيره من البروتينات.
وجه الإعجاز:
يتجلى مما سبق إعجاز الهدي النبوي: 
- فقراءة آيات القرآن شفاء وطمأنينة للقلوب فقد  ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )   الرعد: ٢٨. 
- أما استعمال الماء فيسهل ذوبان الملح وتأينه وسهولة حركته وانتقاله.
- تطبيق المزيج مرات عديدة على مكان اللدغة يسهل دخول الماء والملح عبر الجرح واتصاله المباشر بالسم فيعمل على إذابته.
- كلما زاد دخول الملح والماء إلى الجسم زاد تركيز الملح وزادت القوى الأيونية، وبالتالي يعمل على ترسيب المركبات الببتيدية واحدا واحدا حسب حجمها، ومن ثم يسهل دور الجهاز المناعي الذي يكمل المهمة، إلى أن يزول مفعول السم.
- هديه صلى الله عليه وسلم باستعمال مواد بسيطة متوفرة لدى جميع الناس، وهي الماء والملح، وجعل لها الله قوة كبيرة مع حجمها الصغير، ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)  طه: ٥٠.
خاتمة:
إنّ التسمم العقربي مشكل الصحة العامة، ونجد الأكثر عرضة للموت هم ذووا المناعة الضعيفة كالأطفال أو الشيوخ خاصة، لكنه قد يفتك بأشخاص عاديين إذا كانت اللسعة عميقة، أو أن كمية السم أكثر. وعند الهلع يستعمل المصاب كل ما يجده أمامه، فإذا كانت بعض الاستعمالات الشعبية تنفع أحيانا، فهذا لا يعني أنها ستنفع دائما وفي كل الحالات، فالمعلومات الخاصة بها قليلة وغير واضحة، كما أن الآلية غير مثبتة علميا، كما نجد بعض الاستعمالات الخطيرة أحيانا التي قد تؤدي إلى الموت السريع.
وعوض إضاعة الوقت والأرواح بمواد غير آمنة، هذه سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لعلاج التسمم العقربي، بسيطة وسهلة ومتاحة للكل حتى القاطنين في الأماكن النائية، وهي استعمال الماء والملح وقراءة المعوذتان وقل هو الله أحد، علينا بها من أجل حياة أفضل.  (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )  الأنفال: ٢٤ وفي الأخير هل جعل الله المياه المالحة الجوفية أو السطحية في بعض الولايات الصحراوية خاصة نعمة أم نقمة على أهلها؟؟.
( رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) البقرة: ١٢٧ 
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين