لا أحب رمضان لكنني أصومه، فهل علي إثم؟.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكمال الإيمان يقتضي من العبد حب الطاعة، وأن يكون هواه وفقاً للشرع، وعلى العبد أن يسعى ليصل إلى هذه الدرجة ومع ذلك فالكره الطبعي لبعض العبادات، كعدم محبة الصوم لمشقته ليس محرماً، كما بينا في الفتوى رقم: 227251.
ولعلك لو تأملت حِكمَ الصيام لأحببته، فنذكر لك طرفاً منها، قال ابن القيم في زاد المعاد: فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّيَامِ: لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الصِّيَامِ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَفِطَامَهَا عَنِ الْمَأْلُوفَاتِ، وَتَعْدِيلَ قُوَّتِهَا الشَّهْوَانِيَّةِ، لِتَسْتَعِدَّ لِطَلَبِ مَا فِيهِ غَايَةُ سَعَادَتِهَا وَنَعِيمِهَا، وَقَبُولِ مَا تَزْكُو بِهِ مِمَّا فِيهِ حَيَاتُهَا الْأَبَدِيَّةُ، وَيَكْسِرُ الْجُوعُ وَالظَّمَأُ مِنْ حِدَّتِهَا وَسَوْرَتِهَا، وَيُذَكِّرُهَا بِحَالِ الْأَكْبَادِ الْجَائِعَةِ مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَتُضَيَّقُ مَجَارِي الشَّيْطَانِ مِنَ الْعَبْدِ بِتَضْيِيقِ مَجَارِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَتُحْبَسُ قُوَى الْأَعْضَاءِ عَنِ اسْتِرْسَالِهَا لِحُكْمِ الطَّبِيعَةِ فِيمَا يَضُرُّهَا فِي مَعَاشِهَا وَمَعَادِهَا، وَيُسَكِّنُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا وَكُلَّ قُوَّةٍ عَنْ جِمَاحِهِ وَتُلْجَمُ بِلِجَامِهِ، فَهُوَ لِجَامُ الْمُتَّقِينَ، وَجُنَّةُ الْمُحَارِبِينَ، وَرِيَاضَةُ الْأَبْرَارِ وَالْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَتْرُكُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ تَرْكُ مَحْبُوبَاتِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذَاتِهَا إِيثَارًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَهُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُ، وَالْعِبَادُ قَدْ يَطَّلِعُونَ مِنْهُ عَلَى تَرْكِ الْمُفْطِرَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِ مَعْبُودِهِ، فَهُوَ أَمْرٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَشَرٌ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الصَّوْمِ، وَلِلصَّوْمِ تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ وَالْقُوَى الْبَاطِنَةِ، وَحِمْيَتِهَا عَنِ التَّخْلِيطِ الْجَالِبِ لَهَا الْمَوَادَّ الْفَاسِدَةَ الَّتِي إِذَا اسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا أَفْسَدَتْهَا، وَاسْتِفْرَاغِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ الْمَانِعَةِ لَهَا مِنْ صِحَّتِهَا، فَالصَّوْمُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ صِحَّتَهَا، وَيُعِيدُ إِلَيْهَا مَا اسْتَلَبَتْهُ مِنْهَا أَيْدِي الشَّهَوَاتِ، فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْعَوْنِ عَلَى التَّقْوَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {البقرة: 183} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ ـ وَأَمَرَ مَنِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِالصِّيَامِ، وَجَعَلَهُ وِجَاءَ هَذِهِ الشَّهْوَةِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَصَالِحَ الصَّوْمِ لَمَّا كَانَتْ مَشْهُودَةً بِالْعُقُولِ السَّلِيمَةِ وَالْفِطَرِ الْمُسْتَقِيمَةِ، شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ رَحْمَةً بِهِمْ، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمْ وَحِمْيَةً لَهُمْ وَجُنَّةً، وَكَانَ هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَكْمَلَ الْهَدْيِ، وَأَعْظَمَ تَحْصِيلٍ لِلْمَقْصُودِ، وَأَسْهَلَهُ عَلَى النُّفُوسِ.
والله أعلم.
حكم,فتوى,حكم الشرع,فتوى شرعية,
نصائح لمن يكره رمضان والصيام ,نصائح لمن يكره رمضان والصيام ,نصائح لمن يكره رمضان والصيام ,نصائح لمن يكره رمضان والصيام ,نصائح لمن يكره رمضان والصيام
المصدرإسلام ويب - مركز الفتوى http://ift.tt/1oYvBzA
via موقع الاسلام
0 التعليقات:
إرسال تعليق