التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير
الكاتب : عبدالله القرشي | القسم : نقد ومراجعات

حين يغيب (نظام التفكير) يصبح العقل مرتعًا للخرافة، ومَجْمعًا للتناقضات، ومن المؤسف أن التوحيد الذي جاء حربًا على الخرافة، أصبح بعض أتباعه لا تتحرج عقولهم من قبول خرافات دينية وسياسية ومجتمعية؛ ذلك أنهم أخذوا (فكرة التوحيد) ولم يأخذوا (نظام التفكير) الذي فرضه التوحيد، ولذلك؛ أصبحت هذه العقول تقبل الأفكار والأخبار دون أن تُعرِّضَها لهذا القانون الصارم: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَ?ذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (الأحقاف: 4)، «لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ « (الكهف: 15)، «أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ» (الزخرف :19)، «أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى? بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا» (غافر:40).وهناك مشكلة كبيرة حين يصبح القبول والرفض للأفكار والأخبار خاضعاً لمنطقٍ آخر لا يحترم (نظام التفكير)، بل هو يقبل ويرفض بناء على حبه وهواه، أو بناء على موافقته لآبائه أو شيوخه أو مجتمعه، تلك مشكلة خطيرة تسمح لصاحبها أن يقبل الشرك الأكبر دون أن يشعر بضلاله وإشكاله.عقل المشرك يستنكف من قبول الحقائق؛ لأنه لم يعهدها عند آبائه الأولين، ثم يسمح للخرافات أن تملأ عقله؛ لأنها من تراث قومه وآبائه !وفي الحوار القرآني بين إمام الموحدين، إبراهيم-عليه السلام-، وقومه ما يكشف هذه المعضلة: «قال هل يسمعونكم إذ تدعون* أو ينفعونكم أو يضرون* قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» (الشعراء :72-74).كان إبراهيم يناقش الأفكار بنظام التفكير، وقومه يقبلون ويرفضون بناء على منطقٍ آخر، وهو منطق العاطفة والهوى، وموافقة آبائهم الأولين، وكل من التزم بنظام التفكير الصحيح فهو تابعٌ في ذلك لإبراهيم، وكل من جنح إلى الهوى والتقليد الأعمى فإنه يشابه في ذلك قومَ إبراهيم.وإذا اختل نظام التفكير عند الإنسان، وجدته يضل في قبوله وتصديقه، ويضل في رفضه وتكذيبه، والتصديق والتكذيب ما لم يخضعا لنظام صحيح فإنهما من أبواب الضلالة والعماية. وقد علّم القرآن أتباعه أن التصديق مسؤولية، والتكذيب كذلك مسؤولية، وللضلال بابان: تكذيب الحق، وتصديق الباطل. قال الله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى? عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ» (العنكبوت: 68)، وقال سبحانه: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى? عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» (الأعراف: 37)، ومن اعتقد أن مع الله إلها آخر ونحو ذلك فقد افترى على الله كذبًا. يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله-: «يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل، واخترق من نفسه عليه كذبًا، فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه - كما قاله المشركون من عبدة الأوثان - أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى». فنظام التفكير الصحيح يتوثق فيما يصدق، ويتوثق فيما يكذب، ولا يصدق إلا بنظام، ولا يكذب بغير نظام.إن العقل البشري دون نظام في التفكير صحيح، يتحول إلى بيئة خصبة للتناقضات، فتعجب من قبول الفكرة وما يناقضها، وكأن الأفكار في بعض العقول متباعدة لا يربط بينها رابط، فيمكن أن يقبل الفكرة وما ينقضها في وقت واحد !لقد رفض عقلُ المشرك فكرةَ البعث والمعاد في ذات الوقت الذي قَبِل فكرة خَلْقه أوَّل مرة، دون أن يشعر بالخيبة والتناقض، وكشف القرآنُ هذه المشكلة في بيان عجيب جمع بين قوة الإقناع واختصار العبارة: «وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا* أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا»(مريم: 66-67)، وفي موطن آخر: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» (يس: 78).إن التوحيد (نظامٌ في التفكير) يوصل إلى (فكرة التوحيد)، وهو منهجُ نظرٍ واستدلال يحمي أصحابه من التناقض والتحكّم والخرافة في كل مجال يتداولونه. وكم نحن بحاجة إلى إظهار (نظام التفكير) في التوحيد وتدارسه، كما أظهرنا أفكار التوحيد المشرقة.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1v7uj8Y
via موقع الاسلام
الكاتب : عبدالله القرشي | القسم : نقد ومراجعات
حين يغيب (نظام التفكير) يصبح العقل مرتعًا للخرافة، ومَجْمعًا للتناقضات، ومن المؤسف أن التوحيد الذي جاء حربًا على الخرافة، أصبح بعض أتباعه لا تتحرج عقولهم من قبول خرافات دينية وسياسية ومجتمعية؛ ذلك أنهم أخذوا (فكرة التوحيد) ولم يأخذوا (نظام التفكير) الذي فرضه التوحيد، ولذلك؛ أصبحت هذه العقول تقبل الأفكار والأخبار دون أن تُعرِّضَها لهذا القانون الصارم: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَ?ذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (الأحقاف: 4)، «لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ « (الكهف: 15)، «أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ» (الزخرف :19)، «أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى? بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا» (غافر:40).وهناك مشكلة كبيرة حين يصبح القبول والرفض للأفكار والأخبار خاضعاً لمنطقٍ آخر لا يحترم (نظام التفكير)، بل هو يقبل ويرفض بناء على حبه وهواه، أو بناء على موافقته لآبائه أو شيوخه أو مجتمعه، تلك مشكلة خطيرة تسمح لصاحبها أن يقبل الشرك الأكبر دون أن يشعر بضلاله وإشكاله.عقل المشرك يستنكف من قبول الحقائق؛ لأنه لم يعهدها عند آبائه الأولين، ثم يسمح للخرافات أن تملأ عقله؛ لأنها من تراث قومه وآبائه !وفي الحوار القرآني بين إمام الموحدين، إبراهيم-عليه السلام-، وقومه ما يكشف هذه المعضلة: «قال هل يسمعونكم إذ تدعون* أو ينفعونكم أو يضرون* قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون» (الشعراء :72-74).كان إبراهيم يناقش الأفكار بنظام التفكير، وقومه يقبلون ويرفضون بناء على منطقٍ آخر، وهو منطق العاطفة والهوى، وموافقة آبائهم الأولين، وكل من التزم بنظام التفكير الصحيح فهو تابعٌ في ذلك لإبراهيم، وكل من جنح إلى الهوى والتقليد الأعمى فإنه يشابه في ذلك قومَ إبراهيم.وإذا اختل نظام التفكير عند الإنسان، وجدته يضل في قبوله وتصديقه، ويضل في رفضه وتكذيبه، والتصديق والتكذيب ما لم يخضعا لنظام صحيح فإنهما من أبواب الضلالة والعماية. وقد علّم القرآن أتباعه أن التصديق مسؤولية، والتكذيب كذلك مسؤولية، وللضلال بابان: تكذيب الحق، وتصديق الباطل. قال الله تعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى? عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ» (العنكبوت: 68)، وقال سبحانه: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى? عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ» (الأعراف: 37)، ومن اعتقد أن مع الله إلها آخر ونحو ذلك فقد افترى على الله كذبًا. يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله-: «يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل، واخترق من نفسه عليه كذبًا، فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه - كما قاله المشركون من عبدة الأوثان - أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى». فنظام التفكير الصحيح يتوثق فيما يصدق، ويتوثق فيما يكذب، ولا يصدق إلا بنظام، ولا يكذب بغير نظام.إن العقل البشري دون نظام في التفكير صحيح، يتحول إلى بيئة خصبة للتناقضات، فتعجب من قبول الفكرة وما يناقضها، وكأن الأفكار في بعض العقول متباعدة لا يربط بينها رابط، فيمكن أن يقبل الفكرة وما ينقضها في وقت واحد !لقد رفض عقلُ المشرك فكرةَ البعث والمعاد في ذات الوقت الذي قَبِل فكرة خَلْقه أوَّل مرة، دون أن يشعر بالخيبة والتناقض، وكشف القرآنُ هذه المشكلة في بيان عجيب جمع بين قوة الإقناع واختصار العبارة: «وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا* أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا»(مريم: 66-67)، وفي موطن آخر: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ» (يس: 78).إن التوحيد (نظامٌ في التفكير) يوصل إلى (فكرة التوحيد)، وهو منهجُ نظرٍ واستدلال يحمي أصحابه من التناقض والتحكّم والخرافة في كل مجال يتداولونه. وكم نحن بحاجة إلى إظهار (نظام التفكير) في التوحيد وتدارسه، كما أظهرنا أفكار التوحيد المشرقة.
المصدر
اسلامى,شرح,ادب,ابداع,منوعات,اسلامية,
التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير,التوحيد.. فكرة ونظام في التفكير
from منتديات الإسلام اليوم http://ift.tt/1v7uj8Y
via موقع الاسلام

0 التعليقات:
إرسال تعليق