المسلمون بين عظماء الأمس وأقزام اليوم
أيها الناس: للمرة الثانية عشرة، يطل علينا زعماء محنطون عبر ما يسمى بمنظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست قبل نحو خمسة وأربعين عاما، ليجتروا كلامهم المعهود والممجوج، بتحسن العلاقات بين دويلات الضرار القائمة في العالم الإسلامي منذ هدم الخلافة، وليقدموا الوعود الجوفاء بالتقدم ومساعدة المنكوبين من أبناء هذه الأمة، وما علموا أنهم أنفسهم أكبر نكبة حلت بهذه الأمة. يطلون علينا من القاهرة كشواهد القبور أقزاما لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يملكون قرارا بالحرب أو السلم، وليس لهم من الأمر السياسي أو الاقتصادي أو العسكري شيء. يتعانقون وهو مختلفون، ويصرحون وهم في ريبهم يترددون، وأكبر خبرة اكتسبوها عبر تلك السنين الطويلة أنهم قد أصبحوا في تخدير الشعوب بارعين، وفي إخلاف الوعود محترفين. ولقد اعتدنا على زعماء ما قبل الربيع العربي ما كانوا يفعلون، ولم نكن نتوقع أن يغرق الزعماء الجدد المنتخبون في مستنقع الزعماء القدامى المتسلطين، ولكنها الصحبة السيئة ورفقة السوء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: المرء على دين خليله، فينظر أحدكم من يخالل.
أيها الناس: لما ولي مرسي عرش مصر قال: لن أجتمع مع رئيس إيران قبل أن يغير موقفه من سوريا. فما الذي تغير حتي يجتمع معه ويعانقه، ويجعل شيخ الأزهر يقابله ويتملق له، ولولا أن مندوب الشيخ كان جريئا في تلاوة البيان لانطلت الحيلة، وأضل الشيخ قومه وما هدى، وشكرا لك أيها المندوب، والشكر موصول لصاحب الحذاء! ويتبجحون بالسماح للمصريين بزيارة إيران دون تأشيرة بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود، بينما كان المسلمون يتنقلون بين أقطار العالم الإسلامي المترامي الأطراف دون جوازات أو تأشيرات، وذلك قبل اغتصاب هذين الحاكمين لسلطان المسلمين، هم وأمثالهم من أعضاء منظمة مؤتمر العجز والشلل. ولما ولي معاذ الخطيب أمر الائتلاف المشبوه، قال: لن نتفاوض مع نظام قاتل مجرم سفاح حتى يرحل رئيسه ورموزه، فما الذي تغير حتى يعرض الخطيب مفاوضة أبرز رموز النظام؟ وهؤلاء يعتبرون من زعماء الربيع المزهر، وأما زعماء الخريف الباهت والشتاء البارد والصيف الحارق فحدث عنهم ولا حرج، فلطالما قالوا إنهم يعملون لوحدة المسلمين، وصيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وما انتهكت دماؤهم وأموالهم وأعراضهم في زمن من أزمنة المسلمين كما انتهكت في عهود هؤلاء الرويبضات. ولطالما قالوا بأنهم يرفضون التطبيع مع العدو الغاصب لأرض المسلمين، وما غصب ذلك العدو من أرض المسلمين منذ ولادة كيانه أكثر مما غصب في عهودهم النحسة. وقالوا في القدس أقوالا كثيرة ولم نر حتى اليوم أفعالا، بل إن تهويد المدينة قد بلغ مداه الأوسع وهم ينظرون. وملأوا الدنيا ضجيجا حول العراق وإيران وإذا بهاتين الدولتين تحديدا تتحفظان على بيان القاهرة الختامي.
أيها الناس: جاء في الجزء التاسع من البداية والنهاية: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة جاءه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة على عادته مع الخلفاء قبله، فقال له عمر: ما لي ولك؟ تنح عني، إنما أنا رجل من المسلمين. ثم سار وساروا معه حتى دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس! إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون. فصاح المسلمون صيحة واحدة: قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، ورضينا كلنا بك. فلما هدأت أصواتهم حمد الله وأثنى عليه وقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، وأكثروا من ذكر الموت فإنه هادم اللذات، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله، وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها ولا في كتابها ولا في نبيها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا، ثم رفع صوته فقال: أيها الناس! من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت، والثياب التي كانت تبسط للخلفاء أمر بها فبيعت، وأدخل أثمانها في بيت المال، ثم ذهب يتبوأ مقيلا فأتاه ابنه عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع؟ قال: يا بني أقيل، قال: تقيل ولا ترد المظالم إلى أهلها، فقال: إني سهرت البارحة في أمر سليمان فإذا صليت الظهر رددت المظالم، فقال له ابنه: ومن لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن مني أي بني، فدنا منه فقبل بين عينيه وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني. ثم قام وخرج وترك القائلة، وأمر مناديه فنادى: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها... هؤلاء هم الحكام العظام، ولا نامت أعين الحكام الأقزام.
أيها الناس: لا زلنا نتذكر كلمات مرسي لما ولي عرش مصر عندما قال: لن أخون الله فيكم! كيف لا ترى أيها الرئيس المنتخب أن استضافة مؤتمر لمنظمة المؤتمر الإسلامي خيانة لله فينا؟ وكيف لا ترى تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية قاتلة المسلمين في عهدك خيانة لله فينا؟ وكيف لا ترى تثبيت العلاقات مع تل أبيب وتمتينها خيانة لله فينا؟ وكيف لا ترى تطبيع العلاقات مع نظام طهران شريك نظام بشار في قتل المسلمين خيانة لله فينا؟ وكيف لا ترى استمرار رعايتك لإقامة كيان هزيل للمسلمين في الضفة وغزة يسمى دولة فلسطينية خيانة لله فينا؟ وكيف وكيف وكيف؟؟؟
أيها الناس: كفانا مراهنة على أمثال هؤلاء الحكام، فالرهان عليهم خاسر خاسر خاسر، وكفانا سذاجة سياسية، فما المسلم بالخب ولا الخب يخدعه. ولنعقد العزم على العمل الجاد مع العاملين الجادين والهادفين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة، فهي والله المخرج المستنير من هذه الأنفاق المظلمة، فدولة الخلافة التي تلوح بوادرها في الأفق هي الحل الوحيد لقضايا المسلمين ومشاكلهم، لأنها تقوم معوجهم، وتعين مستقيمهم، وتكسو عاريهم، وتطعم جائعهم، وتنصر مظلومهم، وتقتص من ظالميهم، وتحرر أرضهم، وتذود عن حماهم، وتطبق أحكام الإسلام عليهم، وتجاهد لحمل دعوة الإسلام إلى العالم نيابة عنهم. فما أحوجنا إلى أن نعيش يوما في ظلها، فقد مللنا العيش عقودا في ظل غيرها. فاللهم ارزقنا بها، ومكنا من مبايعة إمامنا، وكحل عيوننا برؤية راية العقاب خفاقة فوق ربوع المسلمين والعالم أجمع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق