تاريخ التثليث
فرق مسيحيّة تمسّكت بالتوحيد
مجمع نيقية يصدر قرار التثليث وألوهيّة المسيح
ظهور عقيدة التوحيد عند المسيحيين مرّة ثانية
كلمة التثليث في كتب العهدين والتوحيد في القرآن
التوحيد في كتاب العهدين
معنى كلمة الربّ في الأناجيل
واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد
معنى أنّ الله نور السموات والأرض
المزج بين الذات والقدرة
نقد دليل ألوهيّة المسيح
هل المسيح من ذات الله أو من قدرته؟ ومعنى (من روح الله)
نقد فكرة أنّ ذات الله حلّت في المسيح
متابعة الحوار
الهدف من هذا الحوار إستجلاء المفاهيم وتنزيه الله عن النقص
التثليث والبنوّة والشِرك
هل المسيحيون مشركون؟
نقد فكرة الأقانيم الثلاثة
هل اختار الله له ولداً؟
المبالغات البشرية والغلو بالأشخاص
تطوّر فكرة ألوهية المسيح (ع)
هل المسيح ابن اللّه؟
سبب استحالة وجود ابنٍ للّه تعالى
ولدُ الله؟!
لماذا خُلق المسيح بدون أب؟
هل بنوّة المسيح أخطر من الإلحاد؟
بين الشيخ والآباء المسيحيين
سماحة العلاّمة الشيخ عبد اللطيف بري
في حوار لاهوتي فلسفي فقهي مع رجال الدين المسيحيين حول التثليث وعقيدة التوحيد
سماحة الشيخ يقول:
فكرة التثليث استحدثت بعد المسيح بقرن ونصف القرن
كيف يكون الله عزّ وجلّ واحداً في ثلاثة.. وثلاثة في واحد
فهل يصلب الثلاثة في واحد والواحد وهو الثلاثة؟!
وإذا كان المسيح والخالق واحداً فهل يصلب الخالق؟!
أليس هذا تجديفاً على الله عزّ وجلّ؟!
وإذا كان جسد المسيح وحده قد صُلِبَ فلماذا تألمّت روحه؟ وإذا كانت هي الله دون الجسد، فهل يتألم الله؟ وهل الله أرواح عديدة؟ وإذا تألّم الجسد بدون الروح فهل يتألم الجسد المنفصل عن الروح؟ وهل يتألم جسد لا روح فيه؟
دعا تلفزيون المحطة الآراميّة في ديترويت الشيخ عبد اللطيف بري وعدداً من رجال الدين المسيحيين لحوار حول عقيدة التثليث. شارك في الحلقة الأولى (16 شباط 2006م ) بالإضافة إلى سماحة الشيخ ، الدكتور باسم كوريال، والأب زكريا بطرس من الولايات المتحدة، والقس أشرف بشارة من كندا. في الحلقة الثانية (21 شباط 2006) شارك الشيخ والقس حنا سولاقا والجمهور المسيحي. وهذا مختصر عمّا دار حول عقيدتي التوحيد والتثليث مع بعض الشروح الإضافية، دون باقي المواضيع التي طرحت لخروجها عن الموضوع:
للأعلى
تاريخ التثليث
القس أشرف: منذ بدأت المسيحيّة من زمن المسيح حتى الآن، نجد أنّ عقيدة التثليث قائمة، لم يعترض عليها أحد من المسيحيين، وهذا ما يؤكد صدقها وانتسابها إلى المسيح.
الشيخ: كلام غير دقيق.. فإنّ تاريخ عقيدة التثليث يشير أنّ أغلب الظن: أنّ أولّ من تحدث عن كلمة التثليث أو الثالوث، واخترعها وصاغها، كان الأسقف ترتوليانوس (Tertullianus) في القرن الميلادي الثاني.. (ترتوليانوس يقول بالإيمان الأعمى الذي يسمو على العقل ولا يستطيع العقل إدراكه). والأسقف ترتوليانوس ولد نحو 155م وتوفي نحو 230 م .. ولنفترض أنّه ابتدع فكرة التثليث في منتصف عمره، فإنّ هذا يعني أنّ فكرة التثليث نشأت حوالي سنة 190م، أي بعد غياب المسيح بأكثر من قرن ونصف من الزمن، وقد اعترضه عليها العديد من الأساقفة والمسيحيين، ونادّوا بالتوحيد:
للأعلى
فرق مسيحيّة تمسّكت بالتوحيد
(تعليق) هناك فرق مسيحية ظلّت متمسّكة بالتوحيد:
- منها فرقة (أبيون) ظلت متمسكة بالتوحيد وتنكر ألوهية المسيح، (إنقرضت في القرن الرابع الميلادي).
- ومنها قرقة (بولس السمسياطي) أسقف إنطاكية سنة 260م وهي تقرّ أن المسيح رسول وليس إلهاً (إنقرضت في القرن السابع الميلادي)؟
- فرقة (الأريوسيين) نسبة إلى قسيس الكنيسة الأسكندريّة (أريوس) الذي أكدّ أنّ المسيح بشر مخلوق وليس إلهاً ولا ابناً لله. إنتشرت هذه الفرقة في الإسكندرية وفلسطين والقسطنطينية ومقدونية، (إنقرضت بعد القرن الرابع).
- فرقة (ميليتوس) وكان قسّيساً في كنيسة أسيوط ويعتقد أنّ المسيح بشر رسول وليس إلهاً ولا ابناً لله. وقد إنقرضت هذه الفرقة بعد مجمع نيقية الذي أصدر القرار بألوهية المسيح.
للأعلى
مجمع نيقية يصدر قرار التثليث وألوهيّة المسيح
وسبب إصدار هذا القرار أنّ مجمع نيقية الذي عقد سنة 325م ورعاه الإمبراطور قسطنطين جَمَعَ 2048 أسقفاً إختلفوا بشدّة حول العقيدة المسيحية ولم يصلوا إلى نتيجة، وكان الملك قسطنطين يميل إلى ألوهية المسيح فاختار 318 أسقفاً من أشدّ المتحمّسين لرأيه وخوّلهم إصدار القرارات، فقرّروا ألوهية المسيح وتكفير من يقول بأنّ المسيح إنسان، كما قرّروا حرق كلّ الكتب التي لا تقول بألوهية المسيح وتحريم قراءتها، وتكفير وطرد قسّيس كنيسة الأسكندرية (أريوس) الذي رفض ألوهية المسيح.
وقد طوّر أثناسيوس بدوره أيضاً عقيدة التثليث أو الثالوث فسمّيت قانون الإيمان (الإثناسيوسي)، وقد تبلور على يد اغسطينوس في القرن الخامس.
للأعلى
ظهور عقيدة التوحيد عند المسيحيين مرّة ثانية
وفي القرون الأخيرة نادت مجموعات مسيحيّة في أوروبا بالتوحيد وأنّ المسيح ليس إلهاً، فطاردتها الكنائس على اختلافها حتى أسكتت صوتها بالقوّة.
نذكر من هؤلاء المصلح (سرفيتوس) الذي عارض التثليث في إسبانيا فسجن وأعدم حرقاً سنة 1553م.
بعد ذلك ظهر المسيحيون الموحّدون في إيطاليا وأنكروا ألوهية المسيح، وعرفت طائفتهم (بالصوصنية)، فلاحقتهم الكنيسة حتى فروا إلى سويسرا فطاردتهم الكنيسة البروتستانتية هناك ففرّوا إلى بولندا حيث أعلنوا منها عقيدتهم بالتوحيد، فطاردتهم الكنيسة في بولندا ففرّوا إلى ألمانيا وهولندا وتوزّعوا في الأرض. ولهذه الطائفة أتباع في أمريكا، وأذكر أنّي استعرت كتاباً بالإنكليزية من المكاتب العامّة في ديربورن قبل سنوات طويلة يتحدّث عن هذه الطائفة المسيحيّة التوحيدية في أميركا وعقيدتها بالله الواحد الأحد. جاء في " موسوعة المورد" ج10 ص 56 تعريف بهذه الطائفة كالتالي:
(التوحيديّة Unitarianism): حركة مسيحيّة تنكر التثليث وتؤكد على وحدانية الله. ظهرت أول ما ظهرت في عهد الإصلاح البروتستانتي Reformation وانتشرت في ترانسيلفانيا وبولندا خلال القرن السابع عشر، وامتدّت بعدُ إلى هنغاريا ومن ثمّ إلى بريطانيا وأخيراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويتعبر وليام تشاننغ ( 1780-1842) أبا التوحيدية الأميركية American Unitarianism، وإليه وإلى فرقة "الموحّدة" أو "الموحدّين" التي أسسّها عام 1819 يتجّه الذهن اليوم كلما ذكرت الحركة التوحيدية من غير تحديد لزمان أو مكان.
وبالإضافة إلى هذه الطائفة توجد طائفة (المورمان Mormans) المسيحيّة في أميركا ، ولها كنائس عديدة الآن وهي لا تؤمن أنّ المسيح إله. وهكذا نجد أن عقيدة التثليث لا يعترف بها كلّ المسيحيين.
والدليل أنّ عقيدة التثليث أو الثالوث ليست مسيحيّة أنّها لم ترد في الكتاب المقدّس عند المسيحيين.
للأعلى
كلمة التثليث في كتب العهدين والتوحيد في القرآن
- الأب زكريا: وكذلك إذا راجعنا القرآن لم نجد كلمة التوحيد في كلّ القرآن، ولكن الدين الإسلامي أقره، ونفس الحال بالنسبة إلى الكتاب المقدس، لا نجد كلمة (التثليث أو الثالوث) ولكن الدين المسيحي يقرّه، والنقد الموجّه في القرآن (لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة) موجّه إلى الجماعة المريمانية التي كانت شائعة في زمن محمد، القائلة بأن المسيح ومريم إلهان، ونحن لا نقول ذلك.
(تعليق: كذلك فرقة البريدانية تقول بألوهية المسيح وأمّه معاً. بقيت حتى القرن السابع وظهور الإسلام ثم انقرضت).
الشيخ: ولكن النصّ على وحدانية الله حاشد في القرآن الكريم من أوّله إلى آخره كقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} البقرة 2/163، { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} النساء 4/171
وليس كذلك في كتابكم حول التثليث، فلا يوجد نصّ على التثليث، بل هو استنباط إجتهادي يعزى إلى فكر بشري ولا توجد عبارة واحدة تصرّح بأنّ المسيح قال إنّه ربّ العالمين وأنّ الناس يجب أن يعبدوه.. بل على العكس يوجد نصوص تؤكد التوحيد وتعارض التثليث.
للأعلى
التوحيد في كتاب العهدين
تعليق: في العهد القديم (التوراة الحالية): "أيّها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك" ،(صموئيل 2 باب 7 فقرة 22)، وقول سليمان: "أيها الربّ إله إسرائيل ليس إله مثلك في السماء من فوق ولا على الأرض من أسفل" (ملوك 1 باب 8 فقرة 22) ، وقول الربّ: " أنا أنا هو وليس إله معي"( التثنية باب 32 فقرة 39)، وقول سليمان :"هل يسكن الله حقاً مع الإنسان على الأرض هُوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك" (أخبار الأيام 2 باب 6 فقرة 18).
وفي العهد الجديد (الإنجيل المتداول): " الرب إلهنا رب واحد" (مرقس باب 12 فقرة 29).
ثمّ أنّ سجود العبادة لا يكون إلاّ لله وحده، وهكذا يقول المسيح (ع): " لأنه مكتوب: للربّ إلهك تسجُد، وإياه وحده تعبُد" (إنجيل متى باب 4 فقرة 10).
بل هناك تأكيد في كتب العهدين (التوراة والإنجيل الحاليين) بأنّ ذات الله لا تُرى: ففي التوراة الحالية أنّ الله يقول: " لا تقدر أن ترى وجهي، لأنّ الإنسان لا يراني ويعيش" (سفر الخروج باب 33 فقرة 20).
وفي الإنجيل الحالي: " الله لم ينظره أحد قط" (رسالة يوحنا الأولى أصحاح 4 عدد 12 ).
للأعلى
معنى كلمة الربّ في الأناجيل
أجل توجد عبارة (الربّ) الواردة في الأناجيل في وصف المسيح (ع) - كما في قول متى :"..فأخذه بطرس (بطرس أخذ يسوع) وابتدأ ينتهره قائلاً: "حاشاك يا ربّ لا يكون لك هذا" (متى 16-22) - ومعناها المربّي والمعلم والسيد كما نقول رب البيت وربّة البيت، فالربّ معناها (المعلم) بنصّ الإنجيل التالي: " فسمعه التلميذان يتكلّم، فتبعا يسوع، فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان، فقال لهما ماذا تطلبان؟ فقالا ربّي - الذي تفسيره يا معلم- أين تمكث" (إنجيل يوحنا الإصحاح 1 عدد 37-38) .
لهذا لا يوجد كلام في الأناجيل يفيد أن المسيح قال بأنّ الإله واحد في ثلاثة أقانيم: الأب والإبن والروح القدس، وأنّ الثلاثة هم إله واحد.
للأعلى
واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد
- الأب زكريا: الحقيقة، إنّنا نؤمن بالتوحيد، وأنّ الله واحد أحد، ولكننا نقول بانعكاس الذات الإلهية وتجسّدها في المسيح والروح القدس، تماماً كولادة النور من النار أو كما تدخل النار في الحديد المحمّي فيضيء.. فهناك نار، وهناك حديد، وهناك نور، وهكذا هو الثالوث وتجسُّد الإله في المسيح.
- الشيخ: لا يمكن أن ندمج بين حقيقة النار والنور، النار تحرق، والنوريضيء.. وكلّ منهما له ماهية وحقيقة تختلف، فكيف نمزجهما معاً؟! وبالتالي كيف نمزج الخالق بالمخلوق؟ وكيف نشبّه الخالق بالمواد الفيزيائية!.. لا يمكن تشبيه الله تشبيهاً حقيقياً بذلك، وهو الكلي المطلق.
للأعلى
معنى أنّ الله نور السموات والأرض
(تعليق: قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} النور 24/35. ليس بمعنى أنه ضوء، وإنّما بمعنى أنّ النور به نكتشف الأشياء، والله به توجد الموجودات والأشياء، وبه تعالى يتحقق نور الهداية. فالتشبيه هنا مجرّد تقريب للصورة، وهو مجاز لغوي ينطلق من الشكل المادّي الفيزيائي للنور إلى المعنوي لتصوير القدرة الإلهيّة وعملية خلق الوجود والهداية الفطريّة والدينية للإنسان وتقريب كلّ ذلك إلى الذهن البشري، بينما يصوّر (سبارنيون)، أحد علماء المسيحيّة، الإله كأنه ظاهرة فيزيائية مادية، ويؤكد بأنّ المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار تخلقت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى لإيقاد الثانية منها. وغرض (سبارنيون) ليس تقريب صورة اللامادّي بالمادّي كما فعل القرآن، بل إقناعنا بأنّ اللامادّي، وهو الله عزّ وجلّ، تحوّل إلى المادّي وهو المسيح (ع).. وهنا خطورة هذا التشبيه التضليلي بسبب زاوية اتجاهه نحو القول بتجسد الله، وليس نحو القول بتنزيه الله عن دخوله في المادّة والجسد وتقريب الصورة المعنوية له. تعالى الله وجلّ عن أن يكون شيئاً محدوداً مادّياً كالحديد والنار وغيرهما.)
للأعلى
المزج بين الذات والقدرة
- الأب زكريا: أنا درست الفيزياء وأعرف أنّ النور شكل ملطف من النار، تماماً كالتيار الكهربائي، يكون قوياً أحياناً وأحياناً يكون ضعيفاً، وهكذا الله وانعكاسه في المسيح.
الشيخ: ليست هذه هي المشكلة، أنت مزجت بين ذات الله عزّ وجلّ وبين قدرته.. والذي تجسّد في المسيح هو قدرة الله وليس ذاته، لأنّ ذات الله مطلقة كلية لا يمكن أن تحدّ وتوضع في جسد أو قالب جماد، وإلاّ لأصبح الإله مجردّ جسد محدود، أو قالب جماد، أو حتى صنم. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.. وأمّا قدرة الله وهي قوله للشيء كن فيكون، فهي التي تجسّدت في الجماد، فكانت الأشياء وتجسّدت في المخلوقات فكانت الأحياء وكان الإنسان.. واختلف الإنسان عن الجماد والحيوان بالعقل، وتجسّدت في صفوة من البشر، فكان الأنبياء الذين اختلفوا عن باقي البشر بأنّهم معصومون وصنعوا المعجزات بقدرة الله، ليؤكدوا أنّهم مرسلون من قِبَل الله عزّ وجلّ. وهكذا صنع المسيح المعجزات وأحيا الموتى وشفا المرضى بقدرة الله وإذنه، أي أنَّ الله أعطاه قدرة ليفعل ذلك، ولو كان إحياء الموتى دليل ألوهية شخص لكان ذلك هو حزقيال أيضاً، فإنَّ العهد القديم من (الكتاب المقدس) يفيد بأنّ حزقيال أحيا ألوف البشر وهم تراب رميم: "وقاموا على أقدامهم جيشاً عظيماً جداً جداً" حزقيال 37/1-10 .
للأعلى
نقد دليل ألوهيّة المسيح
الأب زكريا: حزقيال لم يأتِ ذكره في معنى الألوهية، بينما المسيح جاء ذكره في معنى الألوهيّة حيث قال: أنا في الأب والأب فيّ.
الشيخ: هذه تعابير مجازية، تقريبية، إن صحّت، لا تؤخذ بحرفيتها لأنها تصادم العقل: إذ كيف يكون المخلوق وهو المسيح إلهاً والإله لا يكون مخلوقاً!
أجل! كأن المقصود بتلك التعابير أنّ المسيح مندمج في خط الله ورسالته، وخط الله ورسالته مندمجان فيه: فهو (المسيح) الرسالة الإلهية الحيّة المتحرّكة التي تجسّد في سلوكها أحكام الله ، وقيمه السامية ،في كلّ حركةٍ وسكنةٍ من حركاته وسكناته. تعليق: (ولهذا فهو، كباقي الأنبياء معصوم عن الخطأ لأنّه لا يصدر إلاّ عن إرادة الله عزّ وجلّ..)
هذا هو المعنى الحقيقي لأمثال ذلك النصّ، وهو شائع في التعابير الدينية والصوفية ولا يعني أنّ المسيح إله. وإلاّ فما معنى أن يكون إنسان في داخل الله والله في داخل ذلك الإنسان نفسه في نفس الوقت؟ وكلّ منهما ظرفاً ومظروفاً للآخر! هذا تناقض).
للأعلى
هل المسيح من ذات الله أو من قدرته؟
ومعنى (من روح الله)
الأب زكريا: نحن نقول بأنّ ذات الله لا قدرته وحدها حلت في المسيح، وأنّ الآب والإبن أزليان قديمان لا بداية لهما ولا نهاية، وأنّ الجسد هو الذي وُلد وصلب، أمّا ذات المسيح فهي أزلية ليس لها بداية، وأبديّة ليس لها نهاية، يؤيّد ذلك القرآن حيث يؤكد أنّ المسيح من روح الله.
الشيخ: وكذلك أكدّ القرآن الكريم أنّ آدم من روح الله وهذه تعابير تشير إلى قدرة الله على خلق الروح البشرية ، أي أنّه تعالى خلق آدم والمسيح وكلّ البشر من قدرته الروحانية، فسكب الحياة والروح في جسد الإنسان، فكان الإنسان جسداً وروحاً، لأن الله قادر على أن يخلق مادّة بدون روح كالأحجار والجمادات، وروحاً دون مادّة كالملائكة، ومادّة فيها روح كالإنسان.
للأعلى
نقد فكرة أنّ ذات الله حلّت في المسيح
وإذا كانت ذات الله قد حلت في المسيح، فيمكننا أن نقول بأنّ الذي صُلِب، ليس هو الإبن بل الآب أيضاً ما دامت ذات الآب قد حلت في الإبن، فلماذا اقتصرتم في معنى الصلب على الإبن؟ وإذا كان الجسد قد صُلِب ولم تتأثر الروح لأنّها روح إله لا تؤثر فيها المادّة، فلماذا تألمّ المسيح؟! إنّ الجسد بحدّ ذاته بدون الروح كالميت لا يتألم، وبما أنّ جسد المسيح قد تألم فلا شكَ أنّ روحه قد تألمت لامتزاجها بالجسد، وهذا يدلّ على أنّه بشر وليس إلهاً، لأنّ روح الإله ليست كالمخلوقات تتألم، بل هي فوق الإنفعالات الفيزيائية لأنّها فوق المادة ومسيطرة على المادة وقوانين المادّة ، ثمّ ما هو الإختلاف بين الآب والإبن ما دام كلٌّ منهما ذاتاً لله عزّ وجلّ؟
الأب زكريا: يختلفان في الأبوّة والبنوّة والتجسّد ويتّحدان في الألوهية والأزلية. (وهنا خرج عن الموضوع وتحدّث عن أمور أخرى إنتقد فيها قضايا في الإسلام وفي تاريخ النبي محمد (ص) ليس لها علاقة بالتثليث أو التوحيد، وانتهى وقت البرنامج).
للأعلى
متابعة الحوار
في الحلقة الثانية تابع الحوار مع الشيخ، القس حنا سولاقا والجمهور
القسّ حنا: نرحب بالشيخ أجمل ترحيب ونبتدئ حوارنا هذه الليلة بقراءة من الإنجيل المقدّس (وقرأ نصوصاً تبريكية)
الشيخ: شكراً لهذا الترحيب.. الواقع أننّا لم نستكمل البحث في الحلقة الأولى في موضوع التوحيد والتثليث لضيق الوقت ولا بدّ من متابعته في هذه الليلة... فنقول:
للأعلى
الهدف من هذا الحوار إستجلاء المفاهيم
وتنزيه الله عن النقص
إن حوارنا حول هذه المواضيع الحسّاسة لا يستبطن سوء نية، وليس القصد منه تسجيل نقاط ضد هذا الطرف أو ذاك، أو تقديم اتهامات، وإنّما يجب أن نعمل جميعاً – ونحن ندرس هذه المفاهيم- كفريق عمل علمي واحد، يريد أن يتحرىّ الحقائق ويناقشها إلى أبعد الحدود، ويجلو المفاهيم، ويدرس إمكانية إثباتها أو نفيها لتنزيه الله عن النقص والمحدوديّة.. وأنا أعتذر إن كان كلامي يجرح أحداً في أمور حساسة، فليس المقصود أن نُجرّح أو نجرح أحداً وإنّما نحن ندرس ونناقش قضية مهمّة جداً، وبمجرد قبول الحوار بل دعوتي إليه وفرضه عليَّ بإقامة الحجّة والدليل يعني أنك مستعدّ لوضع كلّ مقدساتك على المشرحة للتدقيق والتحقيق.. وإذا كنت ترفض الدراسة والتدقيق والتحقيق في مقدساتك فلا تقبل الحوار واخرج منه.. واستدعائي إلى الحوار حول التثليث من قبل التلفزيون الآرامي هو الذي أوجب عليّ هذه المناقشة حول التوحيد والتثليث، لإيضاح الحقيقة وليس لإستفزاز أحد، فأقول:
للأعلى
التثليث والبنوّة والشِرك
إنّ التثليث ما دام يتصل بذات الله وليس بقدرته فقط، فهذا يدّل أنّ الله عزّ وجلّ إنقسمت ذاته إلى ثلاثة اقسام، وأنّ الأب والإبن والروح القدس مظاهر لتعدّد الذات، وهذا يؤدي بنا إلى الشرك والقول بأنّ الإله إنقسم إلى ثلاثة آلهة!! ولا يجدي نفعاً أن نقول بأن الثلاثة واحد وأن الواحد ثلاثة، لأن كلّ واحد من هذه الثلاثة مختلف عن الآخر، وهذا الإختلاف في الخصائص والمميزات يجعل لكلّ واحد شكلاً من أشكال الخصوصيّة ينفرد به عن الآخر ولذا يتعدّد.. فإذا لم يكن يسوع المسيح ذاتاً أخرى غير الأب وكان هو الأب عينه، وقد صلب، فلا بدّ أن يكون الذي صُلب هو الآب أيضاً والروح القدس أيضاً، وأنّ هناك ثلاثة مصلوبين لا واحد، أو واحد أصاب الصلب فيه الثلاثة، ما دام الثلاثة واحداً..
ونتساءل أيضاً: هل المسيح هو الله أو غير الله؟ فإن كان هو الله، فما معنى أن يكون ابنه؟ ثمّ إذا كان هو الله فلا بدّ أن يكون المسيح هو الأب حينئذٍ وليس الإبن، بل لا ابن له ما دام هو إياه!! وإذا كان المسيح غيرَ الله فقد تعدّدت الآلهة.
ولمجرّد أننا فرضناه إبناً فلا بدّ أن يأتي بعد الأب فيكون مخلوقاً، ولو لم يكن مخلوقاً فلا يكون ابناً، بل إنه مستقل أزلي لا بداية له، وقد قلتم إنّه ابن، فلا بدّ أن تكون له بداية وإلاّ لما كان ابناً.
ونرجع إلى التساؤل الأوّل فنقول:
إنّ الإبن إمّا أن يكون هو نفس الأب أو غيره، فإن كان نفسه، فالمصلوب هو الأب والإبن معاً وليس الإبن فقط، وإن كان غيره فقد تعدّدت الآلهة وحدث الشرك!
للأعلى
هل المسيحيون مشركون؟
القس حنا: إذن نحن مشركون، فهل يعتبرنا الإسلام مشركين؟
الشيخ: القرآن الكريم إعتبر المسيحيين من أهل الكتاب وأن لديهم شبهة إشراك، ولكنه ميّزهم عن المشركين عَبَدَة الأوثان والأصنام فحرّم الزواج مثلا من المشركات وأجازه من الكتابيّات كالمسيحيّات واليهوديّات، على تفصيل بين الزواج الدائم والمؤقت عند بعض الفقهاء، وأعطى لأهل الكتاب كاليهود والنصارى (المسيحيين) أحكاماً خاصة تميزهم عن المشركين، ولكن هناك شبهة إشراك، وتعالى الله عن أن يكون له شريك.
وقامت إعتراضات حاشدة من الجمهور المسيحي ، أهمها ما قالته نورا.
-نورا (من الجمهور): الله واحد في ثلاثة أقانيم، وكلمة (أقنوم) سريانية وليست عربية، ومعناها أنّ الثلاثة واحد لا ينفصل أحدهم عن الآخر، ولكنهم متميّزون من حيث الوظائف، كالجسد الواحد تختلف وظائف أعضائه ولكنه واحد..
القس حنا: أحسنت يا نورا
وانتهى وقت البرنامج
ونعلّق الآن أيضاً فنقول:
للأعلى
نقد فكرة الأقانيم الثلاثة
هل هذه الأقانيم ذات الوظائف المختلفة ذوات مستقلة قائمة بذاتها، أم انعكاسات لله تتّحد في الذات وتختلف وظائفها، ولكنها تشير إلى حقيقة واحدة هي الله وحده لا أحد سواه؟
فإن كانت الأقانيم ذواتاً مختلفة فقد تعدّد الإله وحصل الشرك.. وإن كانت حقيقة واحدة لها صفات متعدّدة، فمن المستحيل أن تكون لها صفة المادّية الجسدية الفيزيائية.
إذ كيف تدخل ذات الله عزّ وجلّ في المادة كاللحم والشحم والعظم والدم والنار والنور (وهو فوتونات مادّية) والحديد والحجر، لأنّها أمور مخلوقة فانية، والله خالق غير مخلوق وغير محدود وأبدي لا يفنى.. نعم قدرته هي التي حلّت في الأشياء ، لا ذاته السامية وهي فوق الأشياء.. وقدرته هي التي أوجدت الكون وحلّت فيه وصنعت القوانين الفيزيائية وحلّت فيها لتحريكها وتشغيلها.
وإن قلنا: إنّ المسيح إله بروحه لا بجسده كما هو المدّعى، وأنّ روحه هي نفس روح الله لا تختلف عنها، فهذا ليس صحيحاً، لأنّ المسيح لو كان إلهاً له نفس روح الله وذاته لكانت إرادته مطلقة يفعل ما يشاء بغض النظر عن وجود الأب أو عدم وجوده، وقد صرّح المسيح بنفي المشيئة والإرادة عن نفسه وألحقها بالله عزّ وجلّ كما ورد في إنجيل يوحنا بأن المسيح قال: " نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني" (يوحنا 6/38). فلا مشيئة للمسيح مقابل مشيئة الله عزّ وجلّ، بل أنّ المسيح لا يعلم متى تقوم الساعة عندما سئل عن يوم الدينونة بحسب إنجيل مرقس، فقال: (وأمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلاّ الآب.) مرقس 13/32.
وهذا دليل أنّه إنسان وليس إلهاً، وأنّ ذاته تختلف عن ذات الله عزّ شأنه.
ولو كانت روح المسيح هي ذات الله فلماذا كان لهذه الروح خصائص تختلف عن الإله كالبنّوة، حتى أصبحت إبناً وذات الإبن غير ذات الآب بالبداهة، ولو كانت هي ذات الآب فقد صُلِب الآب أيضاً! وإن كانت غير ذات الآب فقد تعدّدت الذات وحصل الإشراك، وكان هناك ثلاثة أرواح: روح الله وروح المسيح والروح القدس، فهل لله أرواح عديدة؟ أو أنّ روح الله قد انشطرت إلى أجزاء عديدة فأصبح الإله مركباً منها كما يتركب الدواء من عدّة عناصر فيصبح الله ظاهرة مادّية! وهل الله مركّب من أعضاء وهو الكلي القدرة المطلق غير المحدود!
إنّ قدرات الله أي صفاته -وهي ليست ذواتاً- هي التي تتنوع، وهي موجودة في عين ذاته ووجوده، أي أنّها ليست شيئاً خارجاً عن ذاته، كقدرته على علم كلّ شيء فهو (العليم)، وقدرته على الرحمة فهو (الرحيم)، وقدرته على العدل فهو (العادل)، وقدرته على الخلق فهو (الخالق)، ومن هذه القدرة خلق الأنبياء المعصومين فهو (خالقهم)، ومن هذه القدرة خلق المسيح بدون أب كما خلق آدم بدون أب ولا أم، فهو (المبدع) أو (البديع)... بديع السموات والأرض!
لذا قال تعالى في القرآن الكريم:
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} آل عمران 3/59
إنَّ صفة (العليم) و (الرحيم) و (الخالق) و (العادل) الخ.. ليست ذواتاً أخرى لله، بل هي صفات في نفس الله، بينما المسيح – عند أكثر المسيحيين الحاليين – هو ذات أخذت صفة البنوة فاختلفت بالضرورة عن ذات الله، ووقع الإشراك بوجود الشريك.
من هنا نقول: من أين جاءت هذه الثنائية والثلاثية إذا لم يكن هناك اختلاف في الذات؟ وكيف تصلب الذات الإلهيّة والداً وولداً؟
أليس هذا الكلام من نوع التجديف على الله عزّ وجلّ، تقشعرّ له الأبدان؟ لذا قال تعالى في القرآن الكريم:
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (منكراً فظيعاً)* تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) مريم 19/88-93 .
للأعلى
هل اختار الله له ولداً؟
وقد يتساءل العقل البشري: ما المانع أن يختار الله شخصاً يعتبره ولداً له وإن استحالت ألوهيته لأنّه مخلوق والمخلوق لا يكون إلهاً، لكن ما المانع أن يختار الله ولداً مخلوقاً يصطفيه لنفسه؟
ونجيب: وما حاجة الله إلى الولد؟
الإنسان يحتاج إلى الولد لأنّه يضعف ويفنى، وأمّا الله فهو الغنيُّ المطلق لا يضعف ولا يفنى ولا يحتاج أن يجعل له ولداً ويصلبه ليغفر للناس!، بل يمكنه أن يغفر للناس بفضله وإحسانه.. وإذا أذنب شخص ضدّي فهل أقتل ولدي لأغفر له؟!
لذا قال تعالى في القرآن الكريم { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ (أي تنزه عن ذلك)} مريم 19/35.
أجل! يختار الله أناساً يصطفيهم لهداية البشر سمّاهم الله أنبياء ورسلا، لأنّ عدل الله يقتضي إرشاد البشر لما فيه سعادتهم في الدارين، وقد لقب بعضهم بألقاب تشريفية كخليل الله إبراهيم، وكليم الله موسى، وروح الله عيسى (أي له روحانية ونفس شفّافة لطيفة زاهدة)، وحبيب الله محمد (ص)، وهي صفات تشريفيّة للأنبياء لا تعني أنّ ذات الله تجزأت أو حلت بهم أو أنهم أصبحوا آلهة أو دخلوا حقيقة في ذات الله، أو أنّ الله بحاجة إلى صديق وخليل وحبيب وكليم، وهي تشبه قولنا بيت الله وناقة الله وأولياء الله وأنبياء الله، للتكريم والتشريف... يقول الله عزّ وجلّ:
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} الأنبياء 21/26-29.
للأعلى
المبالغات البشرية
والغلو بالأشخاص
يحبّ الإنسان أن يعظّم ويبجّل الشخصيات التي ينتمي إليها ويتمثلها في حياته لأنها قدوته ونموذجه، فيشعر بالإعتزاز والعظمة بها..
ولمّا كان التاريخ يعجّ بشخصيات إستثنائية أخرى ذات فرادة، فإنّ الإنسان يود أن يكون نموذجه فوق كل النماذج الأخرى ليعتز به ويظهر تفوقه على الآخرين.. فيبدأ بالمبالغة في نموذجه ولا يكتفي بالوقائع الحقيقية التي حصلت في التاريخ فعلا بل يبدأ يإختراع القصص العجيبة حوله.. ثم يصعد به أكثر كلما واجه أمثالاً له أو واجه معارضة فيه حتى يصل به إلى طور الألوهية، وهذا ما حصل لشخصيّة عيسى المسيح (ع) عند المغالين.
والغلو لم يقع عند بعض المسيحيين فقط بل عند المسلمين أيضاً حينما غالوا ببعض الأئمة واعتبروا الإمام علياً (ع) إلهاً، فخرجوا بذلك عن دين الإسلام، وهكذا خرج بعض المسيحيين عن المسيحية الأساسيّة التي أنزلها الله عزّ وجلّ وتحدّث عنها القرآن الكريم، وذلك بالغلو والمبالغة واعتبار المسيح (ع) إلهاً.
للأعلى
تطوّر فكرة ألوهية المسيح (ع)
وقد قيل في مراحل تطوّر فكرة ألوهيّة المسيح، ونضيف إلى ما قيل، أنّ المسيح (ع) شبّه أولا بيوحنا المعمدان (كالخضر (ع))..
ثمّ نقل إلى إنسان فوق الملائكة..
ثمّ إلى كلمة الله (أي أزلي ليس له بداية، وهي غير كلمة الله القرآنية بمعنى: كن فيكون).
ثمّ إلى ابن الله البكر.
ثمّ إلى ابن الله الوحيد.
ثمّ إلى الربّ المتجسّد.
ثمّ إلى وارثه وخالق العالم.
ثمّ إلى الرب المصلوب تكفيراً عن خطايا البشر، القائم من بين الأموات..
ثمّ إلى العائد إلى عرش السماء وكرسيّه عن يمين أبيه الله..
ثمَ إلى الله الأقنوم شريك الله في كل شيء.. الديّان الذي يحاسب الناس ويدينهم!
فهل سنصل إلى مرحلة يختفي فيها الله عزّ وجلّ ويبقى المسيح (ع) وحده ؟!!
قال تعالى في القرآن الكريم:
{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} المائدة 5/116-119.
للأعلى
هل المسيح ابن اللّه؟
س: لماذا يستحيل أن يكون المسيح (ع) ابن الله كما تعتقد المسيحية؟
ج: إذا كان ابناً لله عزّ وجلّ فإما أن يكون وجود المسيح (ع) قبل الله أو بعد الله أو مع الله:
فإن كان وجوده قبل الله وهذا مستحيل إذ لا (قبل) لله، لأنه أزلي لا بداية له... ومع الإفتراض أن المسيح (ع) قبل الله، كان المسيح (ع) حينئذ هو الأب، والله هو الابن، وهذا يخالف ما تقوله المسيحية.
وإن كان وجوده مع الله، فإن كان محتاجاً إلى الله فهو ليس بإله، لأن الإله غنيّ كامل كمالاً مطلقاً لا يحتاج إلى أحد.. وإن كان ليس محتاجاً إلى الله، فلا يصح أن نسمي أحدهما بالأب والثاني بالإبن، بل كلُّ منهما إلهٌ مستقلٌّ كاملٌّ أزليٌّ مستغنٍ عن الآخر، وهذا إشراك لا تقول به المسيحية.
وإن كان وجود المسيح (ع) بعد الله، فهو مخلوقٌّ خلقه الله، لذلك جاء وجوده بعد الله فهو محتاجٌ إلى الله، فلا يكون إلهاً لأن الإله أزليٌّ لا بداية لوجوده، غنيٌّ غير محتاجِ إلى أحد، لذلك يستحيل أن يكون المسيح (ع) ابن الله، وما أصدق قول القرآن الكريم في وصف الله تعالى { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } الإخلاص 112/1-4.
نعم، إن الله يصطفي من عباده من يشاء، ويعطيه قدرةً على صناعة المعجزة لتكون دليلاً على صدق نبوّته وصحة تمثيله لله عز وجل في تحديد قيّم الخير والفضيلة والسعادة في الدنيا والآخرة، كما هو الحال في المسيح (ع) وخاتم الأنبياء محمد (ص) وغيرهما من الأنبياء.
للأعلى
سبب استحالة وجود ابنٍ للّه تعالى
س: هل يستحيل على الله وهو القادر على كل شيء أن يخلق ولداً له.. وقد قال في القرآن الكريم: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الزمر 39/4.
ج: نعم، إذا اختار (عزّ وجلّ) ولداً فما هي الحكمة سوى الاصطفاء وجعّله أمثولة تقتدي بها البشرية وتسير في خط الله، وقد فعل ذلك لأولي العزم ولم يسمّهم أولاداً: ولو سمّى البعض ولداً لاستحال أن يكون إلها بسبب أن هذا الولد سيكون مخلوقاً والمخلوق يستحيل أن يكون إلهاً لأن الإله لا يُخلق ولا بداية له..
نعم، يمكن أن يكون هذا المخلوق لا نهاية له، خالداً أبدياً سرمدياً، لكنه سيكون كذلك لا بقوّته هو ، كما هو الله الأبدي السرمدي، وإنما سيكون الولد أبدياً خالداً بقوّة من خارجه، أي بقوّة من الله، فلا يكون الولد إلهاً، بسبب أن له بداية، وبأن استمراريته ليست من ذاته بل من غيره، أي من الله... فالله فوق الكل، والكل يستمد منه الحياة والوجود والاستمرارية، فهم فقراء إليه، لذا ليسوا آلهة لأن الإله غنيُّ بذاته، مستغنٍ عن الكل، مع احتياج الكل إليه وذلك هو الله وحده لا شريك له.
لذا فالله لا يخلق ولداً إلهاً، لا لعجزٍ في الخالق بل لعجزٍ في المخلوق واستحالة أن يكون المخلوق خالقاً، حيث يشكِّل ذلك تناقضاً، فإن كان مخلوقاً فهو ليس بخالق، وإن كان خالقاً فهو ليس بمخلوق، أما أن يكون مخلوقاً وغير مخلوق أو خالقاً وغير خالق، في نفس الوقت والجهة والشخص فهذا تناقض مستحيل الوقوع، ويستحيل وقوع التناقض من الله الذي هو الحق، ومنطق الوجود كان قائمَّ على ذلك، والحق لا يتناقض، والمنطق لا يتعارض ، وإلا سقط عن كونه منطقاً وأصبح عبثاً مستحيلاً!
للأعلى
ولدُ الله؟!
س: ما المانع أن يكون لله ولد، كأن يتبنى الله أحداً من الناس كالمسيح (ع) ويقول هذا ولدي! فهل هناك استحالة عقلية؟
ج: إما أن يكون هذا الولد مخلوقاً أو خالقاً غير مخلوق. فإن كان خالقاً غير مخلوق فلا يكون ولدا لله، إذ يكون إلهاً ثانيا مستقلا بنفسه، فكيف نسميه ولداً لله؟! وهنا تتعدد الآلهة ونسقط في الإشراك.
وإن كان مخلوقاً أصبح كباقي البشر، فكيف نخصصه بأنه ولد الله دون غيره؟ وحين يكون ولد الله مخلوقاً أفلا نكون كلُّنا أولاداً لله بمعنى مخلوقين له، وتكون الحشرة كذلك لأنها مخلوقة؟!
ونحن لا نفضّل أن نستعمل هذا التعبير في وصف مخلوقات الله حتى لا يقع هناك التباس يؤدي إلى القول بالإشراك أو إساءة التعبير والأدب في حضرة الله! أجل! توجد عندنا تعابير مثل: (الخلق كلهم عيال الله -أي يرتزقون منه ويعتمدون عليه- وأحبهم إليه أنفعهم لعياله).
وان قلنا بأن ابن الله بمعنى المخلوق البشري الذي (يصطفيه) الله لنفسه تكريماً له ليمثل خط الله وتعاليمه في الأرض، فهذا المعنى صحيح لا بأس به، لأن الله اصطفى آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم محمدا على سائر الأنبياء، واصطفى الأنبياء والأوصياء على سائر خلقه، لذا كان ابراهيم خليل الله، وموسى كليم الله، وعيسى روح الله، أي صفوة تعاليم الله أو مظهر قدرة الله وإعجازه في الخلق بدون أب، ومحمد حبيب الله... فيكون الولد هنا بمعنى (المصطفى) من قبل الله أي الذي اختاره وطهره ليكون خليفة لله على الأرض، أي ممثلا لأخلاق الله وتعاليمه، وهنا نفضّل أن نسميه النبي والرسول والمصطفى والمطهر ولا نسميه ولدا تجنبا بالشرك، واحتراماً في الأدب مع الله جلّ وعلا، خصوصاً انه هو الذي اخبرنا بأن ادعاء البنوّة لله منكر عظيم وإساءة في حق الله ومقامه السامي يكاد يهتز لها الكون:
"وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (منكراً عظيماً)* تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا" مريم 19\88-95
وقال الله تعالى: " وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ " الأنبياء 21\26-27.
للأعلى
لماذا خُلق المسيح بدون أب؟
س: لماذا خلق المسيح بدون أب؟ وما الهدف من ذلك؟
ج: لإظهار معجزة الله في الخلق، وأنه تعالى قادر على التدخل في الأسباب الطبيعية المادية لأنه هو الذي سواها، فقد خلق أناسا من أبوين كما في غالب الناس، وبدون أبوين كما في آدم وحواء، وبدون أب كما في المسيح (ع). وخلق إنسان بدون أب بقدرة الله لا يقتضي ألوهية ذلك الإنسان، لأنه تعالى خلق آدم بدون أبوين وهو أعجب، أفهل أصبح آدم إلهاً؟!
للأعلى
هل بنوّة المسيح أخطر من الإلحاد؟
س: لماذ حمل القرآن حملة شديدة على من ادَّعى ولدّا لله، بقوله تعالى: { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (قبيحا)* تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} مريم 9\ 88-91. ولم يقل ذلك للملحدين به المنكرين له؟
ج: خطورة البنوّة أنها تسند الولد كإله آخر إلى الله. بادِّعاء أن الله هو الذي قرَّر أن يكون له ولد إله! وهذا أشد إضلالاً للناس من إنكار الله تعالى، لأن إنكاره يتمُّ باسم الإنسان المعرَّض للخطأ في فكره وقراراته، أمّا اعتقاد البُنُوّة والولد فيتم باسم الله الذي لا يخطئ أبدًا، فهذا اعتقاد أشد تلبيساً على الفكر البشري واستدراجاً للبسطاء، وإيقاعاً لهم في الضلال، وهو نظرة مهينة إلى الحضرة القدسية تسند إليها الضعف والحاجة إلى الولد، فضلاً عن أن الولد الإله تناقض يرفضه العقل، لأن الإله لا يكون مخلوقاً أبداً، وإنما يكون خالقاً أبداً غير مخلوق، فكيف يكون الولد المخلوق إلهاً؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق